5 دقائق
ابن للإيجار
يبدو أن السينما المصرية كانت تستشرف المستقبل عندما أنتجت فيلم «ابن للإيجار» بطولة محمد فوزي، الذي ينتحل فيه دور الابن لينعم بثروة نجاتي باشا. لكن في عصرنا الحالي سريع التغير، والذي يحمل لنا الكثير من المفاجآت كل يوم، أصبح شيئاً عادياً أن تطالع إعلانات لتأجير ابن أو ابنة في الكثير من الدول المتقدمة، خصوصاً في اليابان، التي توسعت في تطبيق هذا المفهوم ليشمل إمكانية تأجير أي فرد من أفراد الأسرة.
- من المسؤول عن تفكّك المجتمعات والبعد عن إنسانيتنا شيئاً فشيئاً، حتى أصبح البرود الأسري والعاطفي والانكفاء على الذات هو سيد الموقف؟ |
إن مفهوم الأسرة أساس لكل مجتمع، ولكن قد تجعل المسافة الجغرافية أو العاطفية الأسرة غير متاحة عند الحاجة، فالغربة وسوء المعاملة قد تفكك الكثير من الروابط الأسرية، كما قد يترك الموت فراغاً لدى العائلات، لذلك فقد انتشرت في اليابان، أخيراً، صناعة تأجير فرد لينضم للعائلة، حيث يسهل ذلك على العائلات الشعور بالاكتمال، فيمكنك تعيين فرد بديل من العائلة لملء فراغ الشخص الغائب.
فمثلاً الآباء الذين ترك أبناؤهم العش يمكنهم تأجير ابن أو ابنة تأجيراً قصير الأجل قد يمتد لبضع ساعات، إلى تأجير طويل الأجل قد يمتد لسنوات، ويراوح سعر الإيجار ما بين 50 دولاراً للساعة و900 دولار في الأسبوع، وبالطبع يتم الاتفاق بسعر مختلف للفترات الطويلة.
وقد أُنشئ الكثير من الشركات لتقديم تلك الخدمات، فيمكن توظيف الآباء المستأجرين للعب دور الأب للعروس ليلة زفافها، أو حضور حفلات التخرج، أو الظهور في المناسبات العامة، أو تقديم المشورة الأبوية.
ينتشر هذا الأمر في الولايات المتحدة أيضاً، فهناك العديد من المنصات الإلكترونية، مثل Rentsons.com، التي تقدم الخدمة نفسها، ولكن للأعمال الخفيفة التي عادة ما يقوم بها الأبناء، مثل جز العشب، أو التخلص من القمامة أو نقل بعض الأثاث أو التسوق، ويمكن للشخص الذي يرغب في أن يقدم خدماته تعبئة الطلب على الموقع وبدء العمل.
قد يكون المفهوم ليس جديداً، ففي مجتمعنا العربي يقوم الجيران بمساعدة جيرانهم، خصوصاً في المناطق الريفية دون مقابل، كما يوجد المفهوم نفسه في بريطانيا من خلال الجمعيات الأهلية التي تتطوع بمساعدة كبار السن ومن يعيشون بمفردهم، لكن اللافت للنظر أن الموضوع لم يعد فقط من أجل بعض الأعمال، ولكن لإشباع حاجات معنوية وعاطفية.
قد يكون الإغراق في المادية وتهلهل الروابط الأسرية وتفكك الكثير من العائلات لأسباب مختلفة هو الدافع وراء انتشار تلك الظاهرة التي تنمو سريعاً، وقد يكون البعد عن القيم الإنسانية، مثل العطف على الصغير وتوقير الكبير والاهتمام بالجار هو السبب، قد نتفق أو نختلف مع تحويل مد يد المساعدة لمهنة، ولكن ما البدائل ومن المسؤول عن تفكك المجتمعات والبعد عن إنسانيتنا شيئاً فشيئاً، حتى أصبح البرود الأسري والعاطفي والانكفاء على الذات هو سيد الموقف، ماذا نحن فاعلون؟
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.