مساحة حرة
المرأة لا تنتمي للمطبخ
في سياق هوس عالمي، بالاحتفاء بيوم المرأة، والذي يصادف 8 مارس من كل عام، ويخلد ما تعرضت له العاملات في أحد مصانع نيويورك، من ظلم وإجحاف، وصل لحد إزهاق أرواحهن، نتيجة ظروف عمل استعبادية، وصلت لحبسهن داخل جدران المصنع، رغم نشوب حريق لم يستطعن الخروج وإخلاء المبنى بسبب إقفال المبنى عليهن، فتسببت هذه الحادثة في تظاهرات طالبت بحقوق المرأة المهضومة.
- مهما بلغت الكفاءة، يجب وضع سقف لحجم المسؤوليات والطموح الفردي، لمنع تعارضه مع القدرات البشرية. |
وأخيراً، أدى قيام حساب أحد فروع إحدى شركات الوجبات السريعة العالمية بنشر تغريدة مستفزة، فحواها أن المرأة تنتمي للمطبخ!!
حيث اعتبر البعض ذلك أسلوباً رخيصاً للدعاية، بينما برر مسؤولو الفرع، بعد حذفهم التغريدة الأصلية لوجود تعليقات مسيئة، أن تغريدتهم لم تصغ بشكل صحيح، حيث أرادوا أن يلفتوا الانتباه إلى حقيقة أن 20٪ فقط من الطهاة المحترفين في مطابخ المملكة المتحدة، هم من النساء، وأنهم للمساعدة في تغيير ذلك، قاموا بإعطاء منح دراسية للطهي، متعهدين بأنهم سيكونون أفضل في المرة المقبلة.
ولن ندعو إلى مقاطعة هذه الشركة، وندخل في جدلية، أن أشهر الطباخين عالمياً رجال، بل سندخل في لب الموضوع وصميم جدلية النقاش.
إن واقع المساواة، يثير دائماً جلبة كبيرة، ويتطلب مستويات من الشفافية التي لاتزال مؤسسات عدة تفتقدها أو تواجه تحديات جمة عند التعامل معها.
إن المساواة الحقيقية في العمل، تتطلب عزل الجنس، سواء للذكر أو الأنثى عند الاختيار، بحيث تكون ممارسات الاختيار والتعيين محايدة للتصنيف ومبنية على أسس علمية ومهنية بحرفية عالية، دون إهمال للمهارات والكفاءات الوظيفية المطلوبة، وهو الأمر الذي إن طُبق بحرفية، سيعيد تشكيل خارطة الوظائف القيادية مؤسسياً.
فالمسألة ليست بنسبة وأعداد العنصر النسائي في إدارة أو مؤسسة ما فقط، وليست بعدد من تم تضمينهم لمجالس الإدارات، بل هي في وضع الإنسان المناسب في المكان المناسب دون محسوبية أو مراعاة لوضع اجتماعي أو نسب أو قربى أو لون أو جنس أو وصولية ونفاق وجلسات ودية وخدمات خاصة، لا تمت بصلة للعمل أو المؤسسة.
وننوه بقرار هيئة الأوراق المالية والسلع الخاص بإلزام الشركات المساهمة العامة بتعيين امرأة واحدة على الأقل في مجالس إدارات هذه الشركات المساهمة، الأمر الذي سيقلص الفجوة بين الجنسين ويرفع نسبة تمثيل المرأة من 4% حالياً إلى 20%، ونأمل أن تكون هذه الخطوة بدايات لخطوات مقبلة، تعزز المساواة (المستحقة) للمرأة في قطاع المال والأعمال، فاعتبار مجالس الإدارات، أندية للرجال فقط، لا يوجد ما يبرره. ويحبذ وضع ضوابط تقلص نظرية «السوبرمان» أي وجود الإنسان ذاته، رجلاً كان أو امرأة، في عدد كبير من مجالس إدارات الشركة والمناصب.
فمهما كانت كفاءة المرء، إلا أنه وكما قالت العرب «رحم الله امرأً عرف قدر نفسه». فمهما بلغت الكفاءة، يجب وضع سقف لحجم المسؤوليات والطموح الفردي، لمنع تعارضه مع القدرات البشرية. وكذلك تحديد متطلبات الكفاءة والخبرة وارتباط المهارات بالقطاع المعنى، فلا يجوز مثلاً أن يتم اختيار شخص ذي خبرات علمية في قطاع لا صلة له به، ولا خبرة له فيه.
هذه المهنية الصرفة، قد تكون شبه مستحيلة، لكنها الهدف الأسمى والنموذج الأنبل للعدالة الوظيفية. فلا يجوز أن تعمل موظفة، لا لشيء إلا أنها «قد تناسب شكلياً صورة جماعية»، وبشكل دعائي بحت. ولا لأنها زوجة (فلان أو أخت علان)، فسياسات الموارد البشرية وحوكمة تطبيقها يجب أن تنتبه إلى هذا النوع من تضارب المصالح، وتوصي بمعالجته درءاً للشبهات، فالكفاءة بالتأكيد ستأخذ نصيبها من النجاح بعيداً عن صاحب الظل الطويل.
كما أن عينة واحدة من قصص النجاح الواهية إياها، سترجع كل نجاحات النساء الحقيقية إلى دعم خفي أو علاقة أخوية أو زوجية أو غيرها. وهو ما لا نرضاه ولن يكون قاعدة النجاح للمرأة، فهي روح المكان ونصف المجتمع، إن لم تكن كله، فهي الأم والأخت والزوجة والابنة. وبعيداً عن أي مهاترات أو حديث منمق، إنها أساس المستقبل في المنزل وفي العمل، وفي المدرسة وفي البيت. لنفرض جميعاً أن تكون المساواة حقة، ولمن يستحقها من الجنسين، فلا نريد قصص نجاح واهية، كبيوت العنكبوت، والمرأة لا تنتمي للمطبخ.. إلا إن أرادت هي ذلك.
- مستشار تحول رقمي ومحاضر وخبير تميّز مؤسسي معتمد
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.