رمضان يُرمِض الذنوب
سمي هذا الشهر الكريم بـ«رمضان»، قيل لأنه يرمِض الذنوب، أي يحرقها بالأعمال الصالحة، مشتق من الإرماض، وهو الإحراق، ومنه قولهم: رمِضت قدمه من الرمضاء، أي احترقت، ومنه الحديث الصحيح: «صلاة الأوَّابين حين ترمِض الفصال»، أي تحمي الرمضاء، وهي الرمل حين تبرك الفصال، أي صغار الإبل من شدة الحر.
فهي تسمية مناسبة لهذا الشهر الكريم الذي يتجلَّى الله فيه تعالى على عباده بمغفرة ذنوبهم وتكفير سيئاتهم ورفع درجاتهم، كما صح في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام قوله: «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفراتُ ما بينهنَّ إذا اجتُنبت الكبائر»، ومعنى المكفرات أنها تمحو السيئات التي تكون بين هذه الأوقات.
وقد يتساءل بعض الناس، فيقول: إذا كانت الصلوات الخمس مكفرات لما بينهن، فما بقي للجمعة؟! وإذا كانت الجمعة إلى الجمعة مكفرة لما بينهما، فما بقي لرمضان؟!
والجواب عن ذلك سهلٌ كما بيّنه أهل العلم، فقالوا: إن الذنوب مثل الأمراض، فلكل مرض دواء، فمن الذنوب ما تكفره الصلوات الخمس، ومنها ما تكفرها الجُمع، ومنها ما لا يكفرها إلا هذا الشهر الكريم، الذي ورد في خصوصه شيء كثير في تكفير السيئات، فقد صح عن النبي عليه الصلاة والسلام قوله: «من صام رمضان إيماناً واحتساباً، غفر له ما تقدم من ذنبه».
فهي مغفرة عامة لما تقدم من الذنوب بسبب الصيام والقيام، وورد بخصوص القيام ذلك التكفير أيضاً، وهو قوله صلى الله عليه وسلم المخرَّج في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «من قام رمضان إيماناً واحتساباً، غفر له ما تقدم من ذنبه»، والقيام هو صلاة التراويح، وليس الذي يكون آخر الليل، فذلك إن كان بعد نوم فهو تهجد، وإن لم يُسبق بنوم فهو قيام وتراويح، فهذا تكفير خاص أيضاً لبعض الذنوب، وهكذا يتوالى تكفير الذنوب في هذا الشهر لمن قام بأداء واجباته وسننه، فلا يخرج هذا الشهر الكريم إلا بغفران الذنوب ومحو السيئات، كما صح عنه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم قوله: «أتاني جبريل، فقال: يا محمد، من أدرك رمضان فلم يغفر له، فأبعده الله، قلت: آمين..».
والمعنى أن الذي يدرك هذا الشهر ثم لم ينل المغفرة، مع توافر أسبابها بالعبادة والإقبال على الله تعالى، فهو محروم، وكنَّى عن حرمانه بإلصاق أنفه بالرغام، وهو التراب، كناية عن خيبته، إذْ كيف لم يسعَ سعياً حثيثاً لنيل هذه النفحات الإلهية في موسم التجلي الإلهي على عباده، لاسيما وقد أعانه الله تعالى على ذلك بأن غلَّل الشياطين ومردة الجن عن إغوائه، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم قوله: «إذا كان أولُ ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين، ومردة الجن، وغُلِّقت أبواب النار، فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة، فلم يغلق منها باب، وينادي منادٍ: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة».
فأبواب الجنة تفتح لاستقبال الصائمين الذين تسابقوا للخيرات في هذا الشهر الكريم، وأبواب النار تغلق لعدم حدوث المعاصي فيها بسبب تصفيد الشياطين التي تغوي بني آدم، كما أن لله تعالى نفحات ربانيةً في العتق من النار، لمن تعرض لهذه النفحات بصدق الإقبال على الله تعالى، صياماً عن المفطِّرات الحسية والمعنوية، ومراقبةً دائمة لله رب العالمين، وتنافساً في الخيرات ومسابقة لها؛ لما لها من عظيم الفضل، ومع كل ذلك فهو لا يدرك مغفرة الله تعالى؟! فإن هذا دليل بعده عن الله تعالى، فيكون محروماً أيَّما حرمان.
ومعلومٌ أن كل صائم لا يدرك حقيقة حاله من هذا الفضل العظيم هل ناله أم لا؛ لأن ذلك غيب عنا، فكان على الصائمين أن يجتهدوا فيما شرعه ربهم سبحانه، ونبيهم عليه الصلاة والسلام، و ما يُطلب منهم في هذا الموسم العظيم، وعليهم أن يحسنوا ظنهم بالله، فإن الله لن يخيبهم، بل يجدونه سبحانه عند ظنهم، فإنه سبحانه عند ظن عبده به، إذا أخذ بأسباب الفوز، فإنه جل شأنه لا يضيع أجر من أحسن عملا، فلنحسن العمل ونرجو من الله القبول.
اللهم اجعلنا ممن صامه وقامه إيماناً واحتساباً فغفرتَ ذنوبه وسترتَ عيوبه وبلغته مأموله.
• وهكذا يتوالى تكفير الذنوب في هذا الشهر لمن قام بأداء واجباته وسننه.
«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.