تحرير الأنشطة الاقتصادية.. إيجابيات وسلبيات
ليس سراً أن هناك مواطنين يتهامسون ويتداولون بشيء من الحذر والقلق، معلومات عن مشروع قرار يسعى إلى تحرير جميع الأنشطة الاقتصادية على مستوى الدولة، باستثناء بعض الأنشطة ذات الأثر الاستراتيجي التي حددتها مسبقاً وزارة الاقتصاد، وهذا يعني بكل بساطة إلغاء اشتراط توافر شريك إماراتي في جميع قواعد العمل، في أنظمة الترخيص التجاري وتصاريح مزاولة الأعمال.
بداية، يمكنني التأكيد، وبكل ثقة، أنه لا يوجد مواطن إماراتي ضد قرارات الدولة أو سياساتها، وإن كانت هناك ملاحظات على قرار ما فهي حتماً تقع ضمن خانة إيصال الملاحظة وصوت أصحابها إلى أصحاب القرار، لا الاعتراض.
وفي المقابل يمكنني التأكيد أيضاً على أنه لا يمكن أن تصدر الدولة قرارات وقوانين تؤثر سلباً في مواطنيها، وإن كانت هناك آثار سلبية مباشرة أو غير مباشرة على شريحة معينة من المواطنين من قرار ما، فإنه حتماً سيكون محل دراسة ومناقشة، ولن يخرج إلى النور إلا بعد أن توجد الدولة الحل المثالي الذي يضمن المحافظة على حقوق المواطنين ومصالحهم.
بالنسبة لمشروع قرار تحرير الأنشطة الاقتصادية كافة، وإلغاء اشتراط توافر شريك إماراتي، فإننا في البداية يجب أن نعي تماماً أن هناك فئات كثيرة، وشريحة واسعة جداً من المواطنين معظمهم من فئة كبار السن، رجالاً وسيدات، وفئة المتقاعدين الذين يبحثون عن دخل إضافي يساعدهم في تحمّل تكاليف الحياة المرتفعة، أو ممن لا يعملون لأي سبب من الأسباب، هذه الفئات وغيرها هي المستفيدة الرئيسة من وجود شريك مواطن في الرخص التجارية، وهي تعتمد اعتماداً كلياً ورئيساً على المدخول السنوي «البسيط» الذي يأتيها من شراكتها في تلك الرخص التجارية.
هذا الوضع قائم منذ قيام الدولة، وبكل صراحة فالجميع مستفيد من هذا الوضع، ولا يوجد طرف متضرر، فالمستثمر الأجنبي يحصل على مزايا الرخصة، ويعمل في سوق مزدهرة ومتطورة، ويحظى بمزايا لا يجدها في أي دولة أخرى، ويجني مئات الألوف، وأحياناً ملايين الدراهم سنوياً، حسب نوعية النشاط الاقتصادي والرخصة التجارية، وهو يرمي سنوياً بمبالغ بسيطة لا تُذكر مقارنة بربحه للشريك المواطن، والمواطن يستفيد من هذه المبالغ البسيطة كدخل إضافي يساعده على تحمّل مصروفات بيته وأبنائه، والدولة أيضاً مستفيدة، فهي لا تتحمل تكاليف إضافية تدفعها لذلك المواطن، لأنه بهذه المبالغ البسيطة يخرج من دائرة الضمان الاجتماعي. والسؤال هنا: لو تم تحرير الرخص فهل سيحصل هؤلاء على تعويض، أو على مبلغ ضمان اجتماعي؟ لأنهم حتماً سيدخلون مجدداً ضمن الفئات المستحقة لهذا الضمان!
لا نختلف أبداً، مع وجود سلبيات أو مشكلات لهذا النظام، فهناك العديد من المشكلات بدأت تظهر في الآونة الأخيرة، ولاشك إطلاقاً في أن مشروع القرار الجديد جاء ليحل هذه المشكلات، أو لمواكبة اعتبارات وقوانين دولية معينة، لا خلاف على ذلك، وجميعنا يعلم أن وجود شريك إماراتي، يُعرف مجتمعياً باسم «الشريك النائم»، تسبّب في خلق مشكلات مرتبطة بالأمور المالية، وهروب الشريك الأجنبي بعد استيلائه على أموال وتسهيلات الرخصة التجارية، لكن هل يعني ذلك أن الحل هو إلغاء النظام بأسره، وتحرير الأنشطة التجارية، وقطع دخل ثابت حيوي ومهم لشريحة كبيرة من المجتمع، لا تحتمل ظروفها الاقتصادية أي هزات من هذا النوع، أم أن الحل في تنظيم هذا القطاع، ومحاولة إصدار بعض التشريعات والقوانين التي تضع حداً للمشكلات المالية الموجودة؟
أمّا بالنسبة للمواءمة مع القوانين والاعتبارات العالمية، فهذا أمر جيد، والإمارات من أكثر الدول تطوراً في هذا المجال، وهي تثبت تنافسيتها دولياً بشكل مستمر، وحققت أرقاماً لم يستطع كثيرون غيرها تحقيقها، ولكن من حق الدولة أيضاً أن تحمي المواطن البسيط من أي تداعيات يمكن أن تجلبها تلك المواءمة عليه، فنحن هنا بوضعنا الديموغرافي لا نقارن بغيرنا من الدول الكبيرة، لنا خصوصيتنا المختلفة، التي يجب أن نراعيها في قوانينا كافة، ويراعيها العالم أيضاً، فجميع دول العالم لا تأبه للقوانين الدولية إن شعرت بأنها تؤثر سلباً في اقتصادها أو حياة مواطنيها، وما قامت به الولايات المتحدة الأميركية، وهي أكبر دولة في العالم تمثل الحرية والرأسمالية، ضد الصين، من حروب تجارية واقتصادية وتقييد حجم دخول المنتجات الصينية إلى السوق الأميركية، خير مثال على ذلك!
twitter@samialreyami
reyami@emaratalyoum.com
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.