العُملات المشفرة.. أموال تخرج من الدولة ودور رقابي غائب!
الحديث عن العملة الرقمية «البيتكوين» لا ينقطع عن أي مجلس أو تجمُّع في الإمارات، فالاهتمام بهذه العملة اجتاح كافة ومختلف المستويات المجتمعية، وهم ما بين متابع ومترقب، ومستثمر قلق، خصوصاً أن هذه العملة الرقمية، والتي تعتبر الأكثر صيتاً والأعلى سعراً، سجلت تراجعاً وصل حتى 38 ألف دولار، بعد أن كانت في مستوى 64 ألف دولار خلال الشهر الماضي!
وبهذا الهبوط، فقد أخذت «البيتكوين» في طريقها عشرات العملات الرقمية الأخرى نحو السقوط أيضاً، لتفقد السوق المثيرة للجدل نحو 300 مليار دولار، وسط خوف بل وذعر، دفع غالبية المستثمرين لعمليات بيع محموم، إنقاذاً لما يمكن إنقاذه!
وسط كل ذلك، ووسط كل هذا الاهتمام بالاستثمار في هذه العملة الرقمية، وغيرها من أعداد كبيرة من المستثمرين من داخل الإمارات، صغاراً وكباراً، من ناحية مبالغ الاستثمار والعُمر معاً، فإنه لا أحد يعرف على وجه اليقين حجم الأموال التي خرجت من وعاء دولة الإمارات المالي، باتجاه هذه السوق، ولا أحد يعرف عدد المستثمرين الذين استثمروا أموالاً في هذه العملات من داخل الإمارات، ولا توجد أية أرقام أو إحصاءات رسمية تفيد بذلك!
ما نعرفه أنه ومنذ أكثر من عامين، اكتفى المصرف المركزي بالتحذير من الاستثمار في العملات الرقمية، كونها لا تخضع لأية جهة رقابية، ولا يمكن تتبعها قانونياً، وتعمل وفق آليات بعيدة عن سلطة المصارف المركزية حول العالم، وبالتالي لا يمكن الحديث فيها عن حماية مستهلك، أو تعويض عن خسائر، أو مساءلة للمنصات التي توفر خدمات التداول، بل إن أي خطأ بسيط في عملية التداول قد يعرض المستثمر لضياع أمواله كاملة!
ورغم أن كثيراً من المنصات التي يتم التداول عليها تتعرض للتحقيق من وقت لآخر، من قبل الجهات القانونية في الدول التي تتواجد فيها، وذلك بسبب الأموال المشبوهة التي تدخل ضمن عمليات غسيل الأموال عن طريقها، وغيرها من الأمور؛ فإن المتابع لردة الفعل على منصات التواصل لدينا يدرك أن عدد المستثمرين الذين وقعوا في فخ الثراء السريع والعائد غير المنطقي ليس قليلاً، ومن يراقب حجم التباكي على «الحلال» الذي تبخر، يتأكد من أن هناك ضعفاً رقابياً وقانونياً، وهناك خلل سمح بخروج الأموال من داخل الدولة باتجاه هذه السوق دون أدنى وعي!
صحيح أن الأموال التي خرجت هي لأفراد يتحملون مسؤولية ضياعها، لكنها في النهاية خرجت من الوعاء المالي للدولة، وحمايتها هي مسؤولية بل فرض عين على وزارة المالية والمصرف المركزي، وتقع في صميم اختصاصاتهما معاً!
لا أحد يريد غلق الباب أمام حرية حركة الأموال، خصوصاً في دولة الإمارات التي تعد المركز المالي والتجاري الأول بالمنطقة، لكن في المقابل هناك دور توعوي ورقابي غائب، ونقص تشريعي تأخر كثيراً عن مواكبة التطور العالمي في سوق تتجه نحو رقمنة كل شيء.
ولعل القصص وراء ما يحدث في سوق «البيتكوين» وأخواتها، كثيرة جداً، بل ومضحكة حتى البكاء، خصوصاً تلك التجارب التي يتعرض لها أفراد فقدوا أموالهم نتيجة اتباع نصيحة تقدمها لهم سيدة تعرف نفسها على منصة «تويتر» بأنها مفسرة أحلام، ومع ذلك يصدقون توقعاتها لسعر هذه العملة أو تلك!
فريق منصة «بينانس» الأكثر شهرة في العالم لتداول العملات الرقمية، نشر تقريراً مطولاً عما يحدث بالسوق، أصدق ما استوقفني فيه قولهم: «إن الحقيقة الوحيدة المؤكدة في سوق العملات الرقمية هي (التقلب الحاد) تماماً كما أن (الموت والضرائب هما الحقيقة المؤكدة في حياتنا كبشر)»!
twitter@samialreyami
reyami@emaratalyoum.com
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.