بين الوُدية و الخصوصية
تُوظف أكثر المقاهي أسلوب الترحيب الحار بزبائنها، وبعضها يصل إلى مرحلة معرفة الاسم الأول كي يكتبه على الكوب الورقي، كما في حالة المقهى الأميركي «الأخضر» الشهير، أو مجرد معرفته للترحيب به وتخليص طلبه وهو في منتصف الطابور قبل أن يصل للدفع، كما يحدث في المقهى البريطاني ذي الطابع الإيطالي «الأزرق» الشهير، وربما غيرهما.
كل هذا جيد جداً، وأفضل من مقاهٍ لا تجد فيها النادل مبتسماً، لكن أرى أن الحال قد تُجاوز الحدود المقبولة في بعض الأماكن أحياناً.
ذهبت مرة إلى مقهى صباحاً وسألني النادل أين صديقك؟ ولماذا لم يأتِ معك؟ أو بصيغة أخرى لماذا أنت وحدك اليوم؟
لماذا أنا وحدي؟ لا توجد إجابة محددة لدي، أنا وحدي لأني أريد أن أكون وحدي في ساعة محددة! أو أين صديقي يتطلب جواباً يحمل خصوصية ذلك الصديق، أجبت مرة على السؤال بأن صديقي في أبوظبي، فسألت النادلة هل يعمل هناك؟ وهكذا فتحت المجال لأسئلة لا داعي لها أصلاً، ولماذا يجب علي أنا أجيب ماذا يفعل صديق لي في أبوظبي!
سألتني مرة نادلة لماذا لم أشترِ شطيرة مساء ذلك اليوم؟ فقلت لها إني أكلت واحدة في فرع المقهى الآخر صباحاً، أيضاً لم يعجبني السؤال، ولماذا يجب علي أن أقول ماذا أو أين أكلت صباحاً أو مساءً أو ليلاً!
النادلة نفسها عندما تكررت إجابتي لها سألتني: هل تسكن بالقرب من هذا المكان؟ فأجبت بالنفي، لكن هذا أقرب مقهى «أزرق» لبيتي. نادلة أخرى سألتني لماذا أذهب إلى الفرع الآخر؟ أيضاً لم أجده سؤالاً مناسباً، هذه خصوصية، وهذه النادلة لن تستفيد شيئاً لو عرفت الإجابة، أو لو شرحت لها روتيني اليومي.
هؤلاء مدربون على الترحيب بالزبائن بهذا الشكل، وأن يُشعروا الزبائن بأنهم في بيوتهم الأخرى، وبالطبع لا يجب أبداً الرد عليهم بفظاظة لأنهم مؤدبون جداً، إنما هي محاولة خلق أجواء ودية مع الزبائن، لكن يجب على المسؤولين عن تدريبهم تنبيه هؤلاء بألا تتجاوز الأسئلة حدود الخصوصية.
أذهب إلى المقهى للتفكير أو تخطيط أشياء جديدة، لأن صخب المقهى أفضل من هدوء المنزل لو كان به أطفال يصرخون (يتحول المقهى إلى لعنة، لو كان هناك أطفال يصرخون حول الطاولة المجاورة)!
مواقف:
ذهبت إلى المقهى «الأزرق» فرحب بي النادل ترحيباً شديداً وأجلسني، وذهب لإحضار طلبي رغم أن النظام يتطلب وقوفي في الطابور، سألني وفتح حديثاً معي وعندما ذهب نسيت ما أردت إنجازه، وقتها ندمت على ذهابي إلى مكاني المفضل!
××××××
اشتريت كتاب تمارين ذهنية لابني، الذي رفضه لأنه ليس تفاعلياً مثل «آي باد»، فقررت حلّ التمارين في المقهى بنفسي حتى لا يذهب ثمنه سدى، سألتني النادلة هل أنا أدرس؟ قلت لها: نعم، كي تنصرف.
بعد ستة أشهر سألتني النادلة نفسها سؤالاً غبياً: كيف دراستي للغة الإنجليزية؟! وذكّرتني بأني كنت أحل تمارين في كتاب، فقلت لها هذا مجرد كتاب للتسلية، ولماذا أدرس الإنجليزية وأنا أتخاطب معك بهذه اللغة ذاتها، فقهقهت حتى بانت نواجذها!
• يتحول المقهى إلى لعنة، لو كان هناك أطفال يصرخون حول الطاولة المجاورة.
Abdulla.AlQamzi@emaratalyoum.com
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.