المسكرات والمخدرات القاتلات
سيظلُّ شرعُنا الإسلامي الحنيف عظيماً في نفوس وقلوب العقلاء؛ لما يرون فيه من تنظيم رائع لحياة الفرد مع ربه ومجتمعه، فإنه لم يشرع إلا ما فيه الخير للإنسانية في عاجل أمرها وآجله، علمه من علم، وجهله من جهل، فأحلَّ الطيبات، وحرّم الخبائث من أجل مصلحة الإنسان، وبقاء الدين مصوناً من الإثم والطغيان، ومن أعظم الخبائث وأكبرها جُرماً المسكرات والمخدرات التي تفتك بالدين والدنيا والفرد والمجتمع، فقال ربنا جل شأنه في وصف رسالة نبينا عليه الصلاة والسلام ﴿يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ﴾.
والمسكرات والمخدرات هي أمُّ الخبائث، كما صح في الحديث الذي أخرجه ابن حبان وغيره، عن عثمان، رضي الله عنه، أن رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، قال: «اجتنبوا أم الخبائث، فإنه كان رجل ممن قبلكم يتعبد ويعتزل الناس، فعلِقته امرأةٌ، فأرسلت إليه خادماً، فقالت: إنا ندعوك لشهادة، فدخل فطفقت كلما يدخل باباً أغلقته دونه، حتى أفضى إلى امرأة وضيئة جالسة، وعندها غلام وباطية فيها خمر، فقالت: إنا لم ندعك لشهادة، ولكن دعوتك لتقتل هذا الغلام أو تقع عليّ، أو تشرب كأساً من هذا الخمر، فإن أبيت صحت بك، وفضحتك، فلما رأى أنه لابد له من ذلك، قال: اسقيني كأساً من هذا الخمر، فسقته كأساً من الخمر، فقال: زيديني، فلم يزل حتى وقع عليها، وقتل النفس، فاجتنبوا الخمر، فإنه والله لا يجتمع الإيمان وإدمان الخمر في صدر رجل أبداً، ليوشِكن أحدهما يُخرج صاحبه»، وفي الذكر الحكيم يقول سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾، والأمر بالاجتناب أشد أنواع التحريم؛ لأنه أمر بعدم مقاربته فضلاً عن تعاطيه.
ويشهد لهذا التشريع الواقع الذي يُرى من حال هؤلاء المبتلين بهذه الخبائث، فهم في شر وضع حسي ومعنوي، فلا عقلٌ سوي، ولا خُلقٌ رضي، ولا دينٌ قويم، ولا وضعٌ اجتماعي سليم، فهم يدمرون حياتهم بأيديهم، ويجنون على غيرهم، وكأن الله تعالى أراد أن يعذبهم في الدنيا بأيديهم، فإن اكتُشف أمرُهم فبأيدي المؤمنين، والكل يرى حال هؤلاء المساكين المعذبين، ومع ذلك فإن بعض الناس لا يتخذ منهم عبرة، ولا من حالهم مزدجراً، فيقع في شِراك المروجين المفسدين في الأرض، ليهلك مع الهالكين.
إن المسكرات والمخدرات شر مستطير، يجب أن تتكاتف الجهود على منع وصولها لأيدي الناس حماية للمجتمع من آثارها الوخيمة التي تصل إلى حد الجناية على الأنفس البريئة، ولو من أقرب الأقربين، فإن المبتلى بذلك يفقد توازنه العقلي والحسي، ويكون وحشاً ضارياً في بيته ومجتمعه، لا يمنعه من فعل الإجرام وازع ولا رادع، فكان لابد من التكاتف الأسري والمجتمعي على محاربة هذه الآفة، كلٌّ بما هو متاح له، فلا عذر لأحد أن يرى أحداً قد ابتُلي بها ثم يغض الطرف عن ذلك، ولو كان من أقرب الأقربين، فإن في ذلك حمايةً له ولغيره، ونحن مأمورون بالنصح لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، والنصح في هذا الباب يعني أن لا يُقَرّ أحد على شيء من هذه الخبائث المدمرة، بل أن يحمى منها كما يحمى المريض مما يشتهيه وهو يضره، فمن استطاع حمايته بنفسه فعل، وإن لم يستطع فبإبلاغ الجهات المعنية التي تبذل قصارى جهدها في تطبيبه وإعادته لوضعه السليم.
إن المخدرات التي تتسلل لواذاً في المجتمعات، من قبل أعداء الإنسانية المفسدين في الأرض، هي أكبر خطر يدمر الأجيال، ويحطم آمال الشعوب والحكومات، وترهق الدولة في العلاج والرعاية، وعلى المرء إن لم يكن لديه وازع من دين أو مروءة، أن تكون لديه أَنَفة أن ينزل نفسه إلى مستوى بهيمي بفقد عقله، وسلب إرادته، ودمار صحته، فإن المرء لو تفكر قليلاً في مخاطر هذه الخبائث، ما أقدم على شيء منها، ولكان أول المحاربين لها، وكما قال بعضهم:
قل لمن يأكل الحشيشة جهلاً يا خسيساً قد عشت شر معيشةْ دية العقل بدْرةٌ فلماذا يا سفيها قد بعتها بحشيشةْ؟!
ذلك أن العقل هو مناط الكرامة الإنسانية، فإن سعى المرء لإتلافه بنفسه، فإنه يكون قد حط من إنسانيته، وأصبح منبوذاً في المجتمع، ومعدوداً في مصاف الدواب، نسأل الله العافية والسلامة.
«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.