التبرّع بالأعضاء.. قمة العطاء والإنسانية
قمة العطاء أن تهب الحياة لإنسان، وقمة الإنسانية أن توقف ألم وعذاب إنسان، والمفارقة أن ذلك لن يحدث بالمال، فالمحتاج هنا قد يكون مليارديراً، وقد يكون أكبر منك منصباً وجاهاً، وقد يكون أيضاً متوسط الحال أو فقيراً، لا يهم هنا من يكون، بقدر ما يهم أنه إنسان، ويحتاج منك ما لا يمكن أن تصنعه المصانع، وينتجه البشر، يحتاج أن يعيش، وأنت من سيكون سبباً في حياته، دون أن تشعر ودون أن تخسر شيئاً.. ببساطة هي ليست أحجية، لكن هذا ما يفعله التبرّع بالأعضاء البشرية، الذي يكتب الحياة والنجاة والشفاء لمن يحتاجونه، من أُناس انتهت حياتهم فهم لا يحتاجون بعدها شيئاً!
الموت يعني نهاية حياة إنسان، لكنه اليوم يعني حرفياً نهاية حياة إنسان وإعطاء الأمل في البقاء على قيد الحياة لإنسان أو أكثر، وهكذا هي الحياة، وبمثل هذا العطاء تستمر، حيث يمكن أن تُنقذ جثة شخص متوفى إثر موت دماغي وقلبه لايزال يخفق؛ حياة تسعة أشخاص، حيث يمكن منح القرنية إلى شخصين، والرئة إلى شخصين، والكلية إلى شخصين، والقلب لشخص واحد، والبنكرياس لشخص واحد، والكبد لشخص واحد!
متبرع واحد يستطيع عند موته إنقاذ حياة تسعة أشخاص، يا له من عطاء لا يشبهه عطاء، وخير دائم لا ينقطع، ولهذا فإن التبرّع بالأعضاء مهم جداً لتحسين جودة حياة الحاصل على أعضاء مثل (القرنيات، صمامات القلب والعظام)، حيث استطاع أشخاص أن يستعيدوا الرؤية، وشُفي آخرون من حروق صعبة، واستعاد آخرون العظام لتعمل بشكل صحيح في الحياة اليومية!
الأطباء هُنا في الإمارات يؤكدون أهمية تسليط الضوء على ثقافة التبرّع بالأعضاء لدى المجتمع، لافتين إلى وجود نقص فعلي في هذا الجانب، خصوصاً أن الدولة رائدة في زراعة الأعضاء بمنطقة الخليج والشرق الأوسط، وتحقق نجاحات طبية مبهرة في مجال التبرع وزراعة الأعضاء المتعددة، والتي تشمل القلب والكبد والرئتين والتوسع في زراعة الكلى.
بل إن الإمارات تجاوزت المعدل العالمي للأعضاء المتبرّع بها، لكل شخص متبرّع بعد الوفاة، وأسهم تطبيق «حياة» الذكي في توفير حل مستدام لعدد كبير من المرضى، وإعادة الأمل في الحياة، إذ يرتبط بالبرنامج الوطني للتبرع بالأعضاء، الذي أطلق مطلع 2019، وهو يسمح لكل إنسان توافرت فيه الأهلية الكاملة، بأن يبدي رغبته في التبرع بأحد أعضائه أو أجزاء منها أو أنسجته بعد وفاته، وله حق العدول عن رغبته في أي وقت دون قيد أو شرط!
نحتاج أن نزرع هذه الثقافة في العقول، ونحتاج أن نكثف الحملات المتخصصة حول هذا الأمر المهم، خصوصاً أن ثقافة العطاء وحب الخير متجذرة في قلوب أهل الإمارات، وهذا ما أثبته استطلاع أجرته «الإمارات اليوم»، قبل عامين تقريباً، حيث ثبت أن 41% من المشاركين فيه يرغبون في التبرع بأعضائهم بعد الوفاة، لكنهم يجهلون آلية التبرع، فيما اقترح مشاركون تنظيم حملات توعية لنشر ثقافة التبرع، وإضافة بند التبرع بالأعضاء البشرية بعد الوفاة، ضمن بطاقات الهوية ورخص القيادة وبطاقات التأمين الصحي.
أحد الاقتراحات المفيدة، الخاصة بنشر ثقافة التبرع بالأعضاء بعد الوفاة، اقتراح بتسجيل الموافقة على التبرع بالأعضاء على رخصة القيادة، أو بطاقة الهوية، لتسهيل الاستفادة في حال وقوع حادث للشخص تنتج عنه وفاته، واتخاذ اللازم دون الرجوع إلى الورثة، واقتراح آخر بإضافة خيار التبرع بالأعضاء إلى إجراءات استخراج وتجديد التأمين الصحي، ما يوسع قاعدة المتبرعين ويتيح إنشاء قاعدة بيانات موحدة يمكن من خلالها إبلاغ المستشفيات في حال وقوع وفاة لأحد المرضى، وعمل بطاقات تميز للأفراد المشاركين في تطبيق التبرع بالأعضاء، تقديراً لموقفهم النبيل.
twitter@samialreyami
reyami@emaratalyoum.com
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.