المشاريع البحثية عند العرب.. والغرب!
المشاريع البحثية والتعليمية في الوطن العربي لا تحظى بذلك الاهتمام الذي يليق بها، كونها ركناً أساسياً من أركان التطور البشري، وفي أغلبية أنحاء هذا الوطن الكبير، إن لم يكن في جميع دوله، فإن المشاريع البحثية تكون إما شخصية أو مؤسساتية، وهذا لن ينقل البحث العلمي إلى مرحلة ومكانة تليق بالعصر الذي نعيش فيه، فالمشاريع البحثية في أميركا وأوروبا، على سبيل المثال، هي مشاريع وطنية، لها قيمتها وأهميتها ويدافع عنها كل مواطن.
لذلك ليس بغريب على الغرب أن يتحوّل إلى منطقة جذب للعلماء والباحثين، وليس غريباً أن 65% من الباحثين والعلماء الموجودين في سويسرا هم من خارج سويسرا، كما أنه من الصادم جداً أن نعرف أن 90% من خريجي الجامعات الغربية الخليجيين، خلال السنوات الخمس الأخيرة، عادوا إلى الغرب مجدداً، لأنهم لم يمنحوا فرصة التدريب والتجريب التي تمتد لسنوات قبل أن يصبحوا علماء وتتم الاستفادة منهم!
في الوطن العربي الأبحاث العلمية، بمختلف فئاتها ومجالاتها، مهددة بالتوقف، لأنها مرتبطة بأشخاص، ولو غاب هؤلاء الأشخاص عن مركز صنع القرار، وهذا يحدث كثيراً، فإن المشاريع تتوقف فوراً، وجميع المؤسسات البحثية في جميع الدول العربية، هي عرضة للتقشف، وتخفيض الميزانية في حالة حدوث أية أزمة مالية.
وطوال 25 عاماً من الوعود من قبل المسؤولين العرب بزيادة ميزانيات البحث العلمي، إلا أنها لم تتعدَّ 1% من الناتج القومي، في حين بلغت ميزانيات الإنفاق العسكري في بعض الدول العربية الفقيرة نسبياً 8%، مع العلم أن ثلاثية «العلم والمعرفة والإنتاج»، أهم بكثير من الدبابات والصواريخ، وما حدث للعرب خلال أزمة جائحة «كورونا» خير دليل على انكشافهم العلمي، حيث تبيّن أنهم لا يملكون معملاً حقيقياً بالمواصفات العالمية، وظهرت الحاجة الماسة إلى وجود مراكز أبحاث، أو مصانع أدوية متطورة في كل المنطقة العربية، فلم نجد شيئاً بالمستوى المطلوب الذي يستطيع المنافسة عالمياً!
في دول الخليج الوضع قد يكون أفضل نوعاً ما، ولكن هُنا في دول الخليج أيضاً لا يجد العالِم أو الباحث الاهتمام المطلوب، ولا يتوافر له الأمان الوظيفي، بينما في الغرب يُترك المجال للباحث لفترة تمتد من 6 إلى 8 سنوات حتى يثبت نفسه، ليس على مستوى البلد الذي يقيم فيه، بل على مستوى العالم، وعندما يثبت نجاحه، يتم تثبيته مدى الحياة، ولا يملك أحد القدرة على إزاحته من مكانه!
وفي الإمارات، هناك محاولات جديّة لاستقطاب العلماء والباحثين، لكننا يجب أن نعرف أنه في مجال الأبحاث لا يهم الاستقطاب، بقدر ما يهم كيفية المحافظة على من تستقطبهم، ولكي تنجح في ذلك، لابد أن تمنحهم الإحساس بالانتماء، والإحساس بالولاء، والإحساس بالاستقرار!
كما أنه من الملاحظ، أننا نعاني هُنا في الإمارات، وفي جميع الدول العربية أيضاً، غياب دور القطاع الخاص بالكامل، سواءً في دعم الأبحاث، أو حتى في دعم التعليم، وغياباً تاماً في تبني المشروعات الجامعية، والابتكارات الشبابية، في حين أن القطاع الخاص، وحتى رجال الأعمال، في الدول الغربية يسهمون بسخاء في كل ذلك، ففي أحد مختبرات أوروبا الطبية مثلاً، تأتي 65% من الميزانية من رجال أعمال وأشخاص، إما أصيبوا، أو لهم أحد من أفراد أسرهم أصيب، بمرض يُجري عليه المختبر بحثاً، وبعضهم ينفق نحو 150 مليون يورو في العام على هذه الأبحاث!
twitter@samialreyami
reyami@emaratalyoum.com
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.