أزمة الوعي المجتمعي.. «كورونا» المثال الأبرز
«مناعة الوعي الجمعي».. كان عنواناً لواحدة من الجلسات الرئيسة في منتدى الشارقة للاتصال الحكومي الدولي، وهو بكل تأكيد موضوع حيوي ومهم جداً، خاصة إذا تم ربطه بأزمة «كونية» مثل أزمة «كورونا».
ومفهوم الوعي المجتمعي في غاية العمق والأهمية، ولعل من المفيد الإشارة ابتداء إلى أن العالم في جائحة «كورونا»، رصد فجوة واضحة بين وعي الأفراد ووعي المجتمعات، وهذا ما صعّب عملياً من مهمة الإعلام في دوره التوعوي في هذه الجائحة.
بمعنى آخر.. هناك أفراد أدركوا منذ اللحظة الأولى للجائحة وجود خطر على صحتهم بسبب فيروس «كورونا»، لكن حالة الوعي المجتمعي التي تعني أن المجتمع بأكمله يعرف معرفة تامة ودقيقة بأخطار هذا الأمر، ويعي بالتالي ما عليه القيام به؛ تأخرت كثيراً، لا بل إنها مازالت حتى اللحظة تعاني الكثير من القصور في بعض المجتمعات، وذلك لأن الوعي الفردي يسهم بشكل فعال وأساسي في بناء الوعي الجمعي، من خلال السلوكيات التي تشكل ممارسات الحياة العامة في المجتمعات.
وبلغة أكثر وضوحاً، فإن العالم أخفق في معركة الوعي الجمعي العلمي في التعامل مع الجائحة، كما أن موجة التشكيك بالفيروس منذ بداية انتشاره، ثم لاحقاً باللقاحات، وجدواها، ومصادرها، كان صداها واسعاً في كل الأرجاء، حتى إن تأثيراتها تساوت فيها الشعوب الفقيرة والغنية على حد سواء، وهذا أمر لافت تنبغي دراسته بعناية فائقة.
لقد ظهر بوضوح أن هناك أزمة ثقة عالمية بين الشعوب والسلطات الصحية الرسمية في كثير من دول العالم، ففي أميركا مثلاً أظهر استطلاع رأي وجود تصاعد في نسبة الأميركيين غير المطعمين الذين يرون في تلقي اللقاحات المضادة لفيروس كورونا مخاطر أكبر على صحتهم من الإصابة بالعدوى.
وبحسب الاستطلاع، فقد أكدت نسبة وصلت إلى 53% من البالغين غير المطعمين اعتقادها بأن مخاطر التطعيم تفوق مخاطر الإصابة بالمرض، وفي ألمانيا أيضاً أظهر استطلاع لمعهد «يوغوف» لقياس مؤشرات الرأي، أن 44% شككوا في لقاحات الأطفال والمراهقين قبل أن تنخفض النسبة لاحقاً في استطلاع آخر لتبلغ 37%.
هذه الحالة الواسعة من التشكيك بكل ما يتصل بالجائحة التقطتها منصات التواصل الاجتماعي وتطبيقات المراسلة والمحادثة المختلفة بوضوح، ما أدى إلى حدوث بلبلة غير مسبوقة في العالم حول قضية صحية من هذا النوع، والنتيجة كانت انتشار ملايين الشائعات، ابتداء من وجود الفيروس من عدمه، ومصدر الفيروس، وصولاً إلى اللقاحات وجدواها وما إلى ذلك، ما أجبر منصات التواصل الاجتماعي لاحقاً على وضع ضوابط للنشر، ومحاربة المحتوى المضلل وغير الصحيح حول الجائحة.
هنا في الإمارات لعل الأمر كان مختلفاً، إذ لعبت الدولة بأجهزتها المعنية كلها دوراً بارزاً في التقليل من مخاطر الشطط والمبالغة والتخويف المنتشر في منصات التواصل الاجتماعي، بأداء اتسم بالهدوء، والثقة، والمنهجية، منذ اللحظة الأولى وعلى جميع المستويات.
على مستوى القيادة مثلاً، تم إرسال إشارة مبكرة في غاية الذكاء والتأثير، تردد صداها في الأرجاء بكل إيجابية، من خلال الجملة الشهيرة التي أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة: «لا تشلون هم»، فعكست ليس فقط قدرة القيادة على بث الطمأنينة في أوقات القلق والتوتر العام في المجتمع، بل أيضاً الثقة الكبيرة للدولة وهي تدير ملفاً خطراً ومربكاً لكل العالم كما هو ملف «كورونا».
twitter@samialreyami
reyami@emaratalyoum.com
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.