مساومة الأطفال خطر يجب إيقافه
تنتشر مقاطع وصور كثيرة لأطفال يتم استغلال طفولتهم، براءتهم، اندفاعهم وطاقاتهم، من أجل الترويج لحساب معين في وسائل التواصل الاجتماعي أو حتى لمجرد صنع مقاطع طريفة ومضحكة؛ أو يقوم البعض بتعريضهم للخطر مقابل تحديات سخيفة يتم مراهنتهم على فعلها ويقومون بتصويرهم لجعل متابعيهم يضحكون عليهم.
لا أنسى ذلك المقطع الذي قامت فيه أمٌّ بعرض طفلتها التي تعاني السمنة وهي تطلب الأكل بحرقة وبكاء بعد أن حرمتها من الأكل لحثها على خسارة الوزن، وكم كان الموقف محزناً ويدعونا للتساؤل، لماذا تعرضين علينا أيتها الأم مثل هذا المقطع؟! هذا بخلاف الفيديو المنتشر حيث تمت مساومة طفلةٍ على أكل الفلفل الحار، وبعد أن أكلته، بدأت موجة الضحك والسخرية منها، وهناك الكثير والكثير من هذه المقاطع ومثل هذه التصرفات التي تضعنا أمام مشكلةٍ اجتماعيةٍ الكثير منا لا يدرك مدى خطورتها وتأثيرها على أطفالنا.
على جانب آخر، كثيرٌ من الأهالي يقومون بمساومة الأطفال على أمورٍ وتصرفات بطريقةٍ غير مدروسة، أو قيام الأشقاء الكبار بمساومة إخوانهم الصغار لتلبية طلباتهم، كأن يطلبوا منهم القيام ببعض الأفعال مقابل مبالغ زهيدة من المال، أو قيام بعض الآباء والأمهات بربط تصرفات أولادهم بمساومة معينة، وهنا لا أقصد قيام بعض الأهالي بتشجيع أبنائهم وحثهم على مواصلة نشاط معين مفيد لهم مثلاً أو حثهم على الاجتهاد في دروسهم أو تصرفاتهم السلوكية، ولكن ما أقصده أن البعض يبالغ في هذا الأمر أو يقوم بمساومات مباشرة قد تجعل الطفل يعتقد أن هذه هي الطريقة الصحيحة للوصول لبعض الحاجيات والأهداف، ورويداً رويداً سيصبح هذا الطفل يتحايل على هذه الأمور فقط لكسب المكافأة أو المال أو الهدية الموعود بها.
الأطفال يتفاعلون بشدة مع كل شيء يُعرض أمامهم، ويتشكل لديهم مفهوم خاص عن كل التصرفات والمواقف التي يتعرضون لها في صغرهم، ولهذا يجب التنويه، خصوصاً أن مساومة الأطفال أمرٌ خطير قد يجعل منهم فاسدين في المستقبل، أو يجعل منهم أشخاصاً بلا مبدأ يبيعون أنفسهم لمن يدفع لهم، وقد تجدهم يساومون على أخلاقهم من أجل كسب بعض المال، أو تجدهم ينضمون لجماعات إرهابية أو منظمات تخريبية فقط لأنهم يريدون الحصول على المال دون فكر أو اعتقاد.
قد يقول قائل: لقد بالغت في الطرح وفي عرض المشكلة، وأقول له: ربما يكون كلامك صحيحاً، ولكن ما يفكر فيه الأطفال وما يترك لديهم من انطباعات وتأثيرات أكبر بكثير مما نعتقد ونتصور، ولهذا علينا الحذر من المساومة المباشرة مع الأطفال، والحذر من استغلالهم لتنفيذ متطلبات وطلبات بسيطة أو خطيرة من أجل مكافأة معينة، والأهم أن لا نستغلهم ونستغل قلة حيلتهم وضعف قدراتهم في توريطهم في أعمال وتحديات قد تؤذيهم أو تؤذي مشاعرهم أو نقوم باستغلالهم لجذب المتابعين.
التعامل مع الأطفال يجب أن يكون مدروساً بشكل كبير، فما تصنعه في الصغر سيكون له تأثيرٌ كبيرٌ في الكبر، وكل أسلوبٍ تتبعه يجب أن تعلم أن طفلك سيتخذ منه منهجاً وأسلوب حياة في المستقبل، فالحذر كل الحذر من المبالغة في المساومة، حتى وإن كان هناك مساومة أو تشجيع في أمر ما فيجب أن يكون مدروساً، وأن يتم توضيح أهدافه للطفل، فإذا أردت منه الاجتهاد في حياته الدراسية وقدمت له عرضاً لتشجعه فعليك أن توضح له أن مستقبله أجمل باجتهاده، وأن حياته ستكون أفضل لو اجتهد اليوم، وعلى هذا المنوال تؤسس في نفس الطفل مبادئ وأهدافاً تكون له العون في مواجهة مغريات الحياة بدلاً من جعله عرضة لمساومات أكبر قد تأخذه للتهلكة.
* محامٍ وكاتب إعلامي
twitter.com/dryalsharif
www.ysalc.ae
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.