5 دقائق
حديث الجمعة
ديننا الإسلامي وشريعتنا السمحة تدعو للعمل الدؤوب لما يصلح الدين والدنيا، ففي الذكر الحكيم يقول ربنا جل شأنه: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾، والأمر بالعمل يشمل عمل الآخرة وعمل الدنيا إذا أريد به صلاحها وإعفاف النفس ومن تلزم إعالته؛ لأن ذلك مما يجب على المرء فعله، والواجب بقصد الطاعة يثاب فاعله عليه، ويعاقب تاركه، سواء كان واجباً شرعاً، أو وضعاً أي أوجبه المرء على نفسه في الدخول فيه اختياراً، كالوظائف العامة أو الخاصة التي يتقاضى المرء عليها أجراً، وسواء كان العمل في يوم جمعة أم في غيرها؛ لأن يوم الجمعة هو كسائر أيام الله تعالى التي يباح فيها العمل، ولذلك نجد ربنا سبحانه حينما أمرنا بالسعي لتلبية نداء يوم الجمعة قال: ﴿وَذَرُوا الْبَيْعَ﴾، أي أنهم كانوا يتبايعون ويعملون ويزرعون ويعمرون الدنيا؛ فإذا ما سمعوا نادي الله تعالى لبوه خفافاً، فالآية الكريمة صريحة الدلالة على أن العمل يوم الجمعة هو من هدي الإسلام، وهو ما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما روى البخاري ومسلم ومالك في الموطأ واللفظ له، أن رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم - جاء مبيناً في رواية أنه عثمان بن عفان رضي الله عنه - دخل المسجد يوم الجمعة، وعمر بن الخطاب يخطب، فقال عمر: أية ساعة هذه؟ فقال: يا أمير المؤمنين انقلبتُ من السوق، فسمعت النداء، فما زدت على أن توضأت، فقال عمر والوضوء أيضاً؟! وقد علمتَ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان «يأمر بالغسل»، فلم يكن عثمان يرى بأساً في العمل يوم الجمعة، ولم ينكر عليه عمر ولا أحد من الصحابة الذين سمعوا الحوار، وهم لا يسكتون على باطل، لأن ذلك هو الذي عليه العمل عندهم، ولذلك لم يختلف أهل العلم على جواز العمل سائر يوم الجمعة عدا وقت النداء الثاني، فيجب ترك كل شغل كما فعل سيدنا عثمان رضي الله عنه، ويجب عندئذٍ السعي لسماع الخطبة وأداء الصلاة، حيث لا تصح الجمعة إلا في مسجد جامع، ويحرم التشاغل عنها لمن تجب عليه الجمعة، بل لا يصح التعاقد عندئذٍ ممن تجب عليه كما يراه الإمام مالك، بخلاف من لا تجب عليه كالمرأة والصغير والمسافر والمريض المعذور من أدائها ونحوهم من أهل الأعذار المرخصة.
ولم يزل عمل المسلمين في كل بلد على هذا النحو حتى أنهم في كثير من البلدان ولاسيما الأرياف لديهم أسواقٌ مخصصة تسمى «سوق الجمعة»، من غير نكير من أهل العلم ولا عامة الناس، بل إن كثيراً من أهل العلم ولاسيما السادة المالكية وبعض الحنابلة نصوا على كراهية ترك العمل يوم الجمعة؛ لما في ذلك من التشبه باليهود والنصارى، الذين يُسبتون، وديننا ليس فيه شيء من ذلك.
وأما وقت صلاة الجمعة الذي حُدِّد بعد الساعة الواحدة؛ فهو مما لا إشكال فيه قطعاً؛ لأن وقت الجمعة كوقت الظهر لا يخرج إلا بدخول وقت العصر، ويعرف الوقت بمصير ظل كل شيء مثله، فكان التوقيت لايزال في أول الوقت، ولا تتقدم جمعة على أخرى حتى يكون هناك إشكال فقهي في صحة الجمعة المتقدمة دون غيرها، بل تصلى في كل المساجد في أرجاء الدولة في وقت واحد، وهذا من التوفيق في اتخاذ القرار.
أما من لم تجب عليه الجمعة كالمسافر والمرأة والمريض فإنه سيصلي الظهر عند دخول وقته بزوال الشمس.
ولقد كان من الصواب بمكان أن جعل العمل في هذا اليوم خفيفاً جداً حيث لا يعدو نصف النهار، وتحديد وقت صلاة الجمعة بما يتوافق مع سائر فصول السنة، بحيث يتمكن من احتاج لينقلب إلى بيته ليغتسل ويتطيب، مع بقاء فضيلة أول الوقت، ومن إيجابيات العمل في يوم الجمعة أنه يحمل الناس على أداء هذه الفريضة العظيمة، حيث لا ينشغل الناس بأسفار مرخصة لترك الجمعة، أو تكاسل بسبب السهر، فكان هذا من الرشاد والسداد.
فنسأل الله تعالى دوام التوفيق لما يصلح أحوال العباد والبلاد، وأن يوفق ولاة أمرنا لما فيه السداد والرشاد.
• من إيجابيات العمل في يوم الجمعة أنه يحمل الناس على أداء هذه الفريضة العظيمة.
* «كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.