مساحة ود
وحده دون العالم
وحده دون غيره يستأثر بها، يمنحها بلا مِنَّة ولا تفضُّل، تخرج من قلبه صادقة لا تكلف فيها ولا مجاملة، مشاعر حب صادق وخوف حقيقي وحماية تتصدى للعالم بصدر مفتوح وذراع عاريةٍ دفاعاً عنا.
تمتد يده بالعطاء فياضةً بلا حساب أو عتاب وكأنها فيضٌ من يد الله الكريمة، يبذل عمره ووقته عملاً وكفاحاً وشقاءً لينزع شوك طريقنا ويمهده مهما امتد بلا كلل أو ملل.
وحده دون العالم من يسمي التجاوز دلالاً، ويستوعب الغضب ويتوجع في صمت الأقوياء حين يصيبنا مكروه أو يعمينا العقوق.
وحده دون العالم يرقب اشتداد العود بفرح وفخر، يصوّب اعوجاجه بلين ورفق، ويباهي بنا الجميع مع كل نجاح، ويضمد الانكسارات والأوجاع.
وحده دون العالم يؤثرنا على احتياجاته، نحتل أولوياته وصدارة أشيائه، والوحيد الذي يتمنى دوماً أن نكون الأفضل، حتى من نفسه.
وحده دون العالم من يقف صفنا ويبرر الخطأ بصغر السن مهما كبرنا، ويخلق الأعذار للزلات والحماقات ويغفرها، ويبتسم مع أول اعتذار.
وحده دون العالم من يواصل السعي لأجلنا مهما وهنت قوته وتجعدت جبهته إيماناً برسالة لابد من تأديتها حتى النهاية.
ثم يهدأ الوهج ويضعف البنيان رويداً رويداً، فيظل على ضعفه، وحده دون غيره مصدر الأمان والخير الذي لا ينضب والوصل الذي لا ينقطع والحب الصافي والدعوات التي تعرف طريقها للسماء.
وحده دون غيره بركة البيت وعزه في شبابه وشيبته، القوي الصامد مهما اشتدت آلامه، الحنون وإن لم تسعفه العبارات.
وحده دون العالم من نشعر معه بأننا صغاراً مهما كبرنا، لم تختبرنا الحياة بمُرِّها ولم يمرضنا صقيعها طالما صوته بالبيت ومعطفه بجوار الباب.
وحده دون العالم، يُطمئن خوفنا ويتأكد من دفء أسِرَّتنا، ويتكفل عنا بالكثير من المهام مهما كبرنا.
وحده دون العالم من يشعرنا رحيله بأول هزيمة فادحة في حياتنا، فنكبر فجأة ونفيق بأنا صرنا وحدنا في مواجهة الأيام.
وتكسر نهاية قصته معنا ومع الحياة، شيئاً عظيماً داخلنا، عصي على الوصف، كبير قدر ما ترك فينا من ذكريات وحفر داخلنا من حب خالص.
الأب، وحده دون العالم، في كل وقت، غطاءٌ وستر وعز وحماية، ومشاعر تتجاوز الكلمات، قامة وقيمة لا نعرف قدرها حقاً إلا بعد الرحيل، مهما قدمنا له، ومهما اعتقدنا أننا بارُّون.
• الأب، وحده دون العالم، في كل وقت، غطاءٌ وستر وعز وحماية، ومشاعر تتجاوز الكلمات.
@amalalmenshawi
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.