إدانة العالم للعدوان الآثم
ديننا الإسلامي دين السِّلم والمسالمة والمحبة والإخاء، لذلك حرم العدوان وجرم الطغيان بين بني الإنسان؛ لأن «الخلق عيالُ الله -أي فقراؤه- وأحبهم إليه أنفعهم لعياله» كما ورد في الأثر، وجعل قانون التعايش لازماً بين البشر، لتعمر الأرض ويعيش الناس بسلام ووئام، فمن لم يعش في هذه الحياة على هذا المبدأ الإسلامي الراقي كان ظالماً غشوماً، وخارجاً عن قانون الإنسانية إلى قانون الغاب والتوحش، وكان على المجتمع الإنساني أن يأطر الظالم وينصر المظلوم، كما قال عليه الصلاة والسلام: «انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً قالوا: يا رسول الله، هذا ننصره مظلوماً، فكيف ننصره ظالماً؟! قال: «تأخذ فوق يديه» كما أخرجه البخاري ومسلم من حديث أنس رضي الله عنه، وهذا ما حدث من اجتماع العالم كله على إدانة العدوان الآثم الذي تعرضت له العاصمة أبوظبي من قبل مليشيات الإرهاب الحوثية في اليمن، فقد رأى العالم أن هذا العدوان انتهاك صارخ للسلم العالمي الذي تنشده الدول والشعوب قاطبة، ودولة الإمارات خاصة، فضلاً عن أنه انتهاك لمبادئ الإسلام، ولحقوق الناس في الأمن والاطمئنان في أوطانهم، وهذا الإجماع العالمي يعني أن هذه الجماعة المارقة منبوذة من العالم، وأنها مدانة على أفعالها الإجرامية، وأن هذه الإدانة سيعقبها محاسبة عادلة.
إن الإسلام الحنيف الذي جاء بمبدأ حفظ النفس البشرية وحقوق الإنسانية في حفظ المال والمكتسبات الخاصة والعامة، كما قال ربنا جل شأنه: ﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ﴾ وكما هو مكتوب على بني إسرائيل، فهو مكتوب على بني الإسلام على حد سواء، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا «فأعادها مراراً» وقال عليه الصلاة والسلام: «ألا أخبركم بالمؤمن؟ مَن أمنه الناس على أموالهم، وأنفسهم، والمسلم من سلم الناس من لسانه، ويده».
ولذلك رتب الله تعالى تشريعاً عاماً على من ينتهك هذه الحرمات عقب الآية التي عظَّمت حرمة الدماء والأموال والأعراض فقال جل شأنه ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾. هذا هو ديننا معاشر المسلمين، وهو ما لا تعرفه هذه الجماعة الإرهابية التي لا تعيش إلا في مستنقع الجرائم، منذ تاريخ نشأتها القديمة والمتجددة، ولولا تخاذل الناس عن كبح جماحها لكُفِي الناس شرَّها اليوم كما اكتفاها بالأمس، وها هو العالم قد قال كلمته من خلال مجلس الأمن الذي أدان هذا الإجرام بالإجماع، وجامعة الدول العربية كذلك، فضلاً عن التنديد الذي عبرت عنه كل الدول تقريباً، ولم يبق إلا التصنيف القانوني الدولي للمسمى الحقيقي لهذه الجماعة المارقة عن الدين والقيم.
إن الإرهاب المنظم الذي تفعله هذه الطائفة في الشعب اليمني، الذي هو ألين الناس قلوباً كما وصفهم الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام بقوله: «هم ألين قلوباً وأرق أفئدة، الإيمان يمان، والحكمة يمانية» وفي رواية «أضعف قلوباً، وأرق أفئدة، الفقه يمان والحكمة يمانية» وكلاهما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، ومثل هذه الأفعال، لا سيما في حق الشعب اليمني، لا تتفق مع هذا الوصف الصادر عمن لا ينطق عن الهوى عليه الصلاة والسلام، مما يدل على أنهم ليسوا من الأرومة اليمنية أساساً، وهو ما أثبته التاريخ.
وأيّاً ما كان، فإن العدوان على القريب والبعيد أمر لا يمكن أن يُسكت عنه، بل إن الواجب ردعه حتى يكف شره وضره، وكما قال الفند الزماني، في حرب البسوس:
صفحنا عن بني ذُهلٍ ... وقلنا القوم إخوانُ
عسى الأيام أن يرجع ... نَ قوماً كالذي كانوا
فلما صرح الشرُّ ... فأمسى وهو عريانُ
ولم يبقَ سوى العدوا ... نِ دِنَّاهم كما دانوا.
وهذه هي حرب البسوس الثانية.
نسأل الله تعالى أن يطفئها ويجزي الظالمين شر الجزاء.
«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.