كنوز السينما ليست على «نتفليكس 2»

ما الفرق بين سينما الأمس واليوم؟ سينما الأمس كانت مكاناً يحكي قصصاً إنسانية جميلة، كنا نشاهد كل أنواع القصص القيّمة الواقعية والخيالية عن البشر، سميناها قصصاً إنسانية، لأنها تفيض بمشاعر جياشة تلامس وجداننا، أو كأنها أحلام تفصلنا عن واقعنا وتأخذنا إلى عالم آخر.

لا يهم إن كانت قصة أبيض أو أسود، لا يهم إن كانت قصة عربي أو صيني، المهم أنها قصص تسرد بعناصرها البشرية وفي أي مجتمع.

تأثرت السينما بدخول العصر الرقمي وازدهار صناعة التلفزيون وبدأت أنواع معينة من الأعمال تهاجر تدريجياً إلى التلفزيون، وهنا أخذ المنتجون يصنّفون نصوص الأفلام كأعمال تصلح للعرض سينمائياً أو تلفازياً (فيديو).

جاءت «نتفليكس» بنموذجها وأجندتها وأصبح لدينا مصطلح «فيلم الإنترنت». فجأة تكاثرت الأفلام الأصلية على منصّتها من كل الأصناف حتى أفلام «البلوكباستر» ذات الميزانيات الضخمة صارت تعرض مباشرة على المنصّة. وهنا وقع المنتجون في حيرة لكنهم تجاوزوها ببيع كل الأفلام التي يعلمون أنها لن تحقق أرباحاً في شباك التذاكر على «نتفليكس».

سلكت «نتفليكس» مسلكين: الأول أفلام فنية من أقوى مخرجي هوليوود، والثاني أفلام رخيصة وتافهة لإرضاء العامة. جاء «كوفيد-19» فقلب صناعة السينما رأساً على عقب، وتعطلت ماكينة هوليوود المفلسة أصلاً وأصبحت «نتفليكس» وجهة الترفيه الأولى لكل العالم في فترة الإغلاق.

بعد عامين من «كوفيد-19» وإعادة افتتاح الصالات، ركزت «نتفليكس» على الكم وتجاهلت الجودة، ركزت على أجندة قذرة وأهملت الفن وركزت على التنوّع المقحم للعناصر البشرية وتجاهلت الواقعية، والمنصّات الأخرى ليست بريئة ولا مختلفة، وإنما نضرب المثل بـ«نتفليكس» كونها افتتحت حقبة البث التدفقي وتعيش قصة نجاح عالمية.

أصبحنا نرى مسلسلاً عن نبلاء بيض وسود معاً في قرون العبودية وكأنهم يعيشون هذا الزمن، أو نرى مجموعة أصدقاء مؤلفة من أبيض وأسود وصيني وعربي وهندي وروسي من السكان الأصليين يعيشون في تناغم كامل، ومن المعروف أن هذه العناصر أصلاً لا تندمج مع بعضها بعضاً، وهذه مثالية مبتذلة ولا تمت للمنطق وللواقع بصلة.

تعكس ظاهرة «نتفليكس» عجز هوليوود عن الإتيان بجديد، فاليوم نعيش العقد الثالث من الألفية الجديدة ولاتزال سمات العقد السابق الذي عُرف بإفلاسه مهيمنة على سينما هذا العقد. والحقيقة أنه ليس أول عقد إفلاس فني يمر على هوليوود، فقد كان عقد الستينات موصوماً بالإفلاس، وبعض مؤرخي السينما يقولون إن عقد التسعينات كان مفلساً كذلك باستثناء عام 1999.

موقف

لجأت «نتفليكس» إلى روّاد هوليوود من العقود الماضية ليصنعوا لها كنوزاً فصنعوا أعمالاً ممتازة أو جيدة، لكنها لم ولن تكون كنوز سينما يوماً، لأنها حبيسة المنصّة ولم تُعرض سينمائياً. أما هوليوود فبالإضافة إلى تشغيل مصنع الوحوش، لجأت إلى إعادة تدوير كنوز السينما وإعادة تقديمها في حُلل جديدة وبعناصر مقحمة وأجندات سياسية، بالضبط كما تفعل «نتفليكس». المحصلة: «لا هذه صنعت كنوزاً ولا تلك!».. وهنا نتساءل: «هل وصلت السينما إلى نهاية التاريخ؟».

• تأثرت السينما بدخول العصر الرقمي وازدهار صناعة التلفزيون.

Abdulla.AlQamzi@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.