صناعة الترفيه (01)
الترفيه صناعة متطورة متجددة ومتغيرة، بدأت كأنشطة توفر سبيلاً للتغيير، أو الابتعاد وجدانياً عن هموم الحياة، وتسمح للناس بالتسلية في أوقات فراغهم، موفرة المتعة والضحك. وأبسط أنماطه اللعب العفوي، أو المشاركة بنشاط مسلٍ، مثل ممارسة الرياضة كهواية فردية أو جماعية، أو عند حضور عرض مسرحي، أو تلفزيوني، أو سينمائي.
لقد تحول الترفيه في هذا العصر إلى ركيزة اقتصادية، من أهمها صناعة الأفلام السينمائية التي تنتج الأفلام الروائية والرسوم المتحركة، الموسيقى، الوسائط المتعددة، الرياضة، المتاحف والفعاليات الثقافية، وغيرها.
ولعل «الألعاب» أكثر صناعات الترفيه نمواً، إذ تبلغ قيمة قطاع الألعاب حالياً أكثر من 145 مليار دولار على مستوى العالم، في وقت عززت فيه جائحة «كوفيدـ19» هذا النمو وسرعته. إلا أننا لانزال ننظر إلى هذا القطاع بازدراء وآفاق ضيقة، ولا يظهر تأثرنا بهذه الصناعة إلا عند إعلان بطولة للعبة رقمية نتابعها على استحياء، مذهولين من عائدات اللعبة، أو أرباح صناعها ونجومها، وأصبحنا نرى نجوم الفن السابع (السينما)، بل وبعض الرياضيين الساعين لاستدامة شهرتهم، واستمرار أرباحهم، يتحولون إلى شخصيات سينمائية أو أبطال لألعاب تفاعلية.
وقد نبدأ ننظر في أخلاقيات محتوى بعض الألعاب متى ما ذمت مقدساتنا، أو أخرجتنا بالصورة النمطية للعرب في الغرب كبدو جهلة، أو رعاة إبل، أو إرهابيين، وحينها تبدأ دعوات المقاطعة، ونكتفي عادة باعتذار في بيان صحافي، وحذف لبعض المقاطع أو المشاهد المسيئة، دون مقاطعة تامة أو غرامات مالية ثقيلة، تشبه ما نقرأ عنه من عقوبات في دول الغرب، أقلها بستة أصفار، وبعضها يتجاوز تسعة أصفار.
إن المحتوى العربي من تراث وتاريخ وبطولات وصراعات، وعشق وجنون، وفتوحات، ورحلات وأساطير، لايزال محور الإبداع من الشرق الأقصى إلى الغرب، لكننا لانزال جاهلين لكيفية استثماره وتحويله إلى صناعة تدر عائدات قد توازي دخل أكبر الشركات العالمية.
وللدلالة على اعتزاز الدول بتأثيرها الثقافي خارجياً، نرصد إصدار بلجيكا لجواز سفرها الجديد محتوياً شخصيات كرتونية بلجيكية، مثل «تان تان، والسنافر»، مسلطين الضوء على الفن التاسع (حسب ما توجهت له المرتكزات الثقافية الأوروبية في تصنيف الفنون)، ولعل أكثر ما شدّنا رسم لقافلة من الرحالة يركبون الجمال وخلفهم واحة نخيل، فمن الأولى بهذا الفخر والتفاخر؟ ومن أجدر بتوثيق ثقافة وتاريخ بشري من علوم ومهد للحضارات، واحتضان للرسالات السماوية؟
لقد تميزنا بقيادة لا تعرف المستحيل، إذ تتحول الأفكار والخيال إلى واقع يتجسد، والإبداع والابتكار سرّعا وتيرة الإنجازات، كما تعددت المبادرات لتجعل وطننا الأول في مختلف المجالات.
واستلهاماً من بعض المبادئ الـ10 لدولة الإمارات للـ50 عاماً المقبلة، ما يتعلق ببناء اقتصاد مستدام، وتسخير جميع الموارد لمجتمع أكثر ازدهاراً، وتطوير علاقات إقليمية ودولية، لتحقيق مصالح الدولة العليا، ودعم أسس السلام والاستقرار في العالم، فإننا نتطلع لأن تصبح صناعة الألعاب التفاعلية «الإماراتية» إحدى أدواتنا وأكبرها أثراً.
وأقتبس من توجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي: «مبادئ الخمسين خارطة طريق ومسار استراتيجي لجميع فرق العمل في الدولة»، و«الدولة تدخل الخمسين المقبلة متسلحة بطاقات أبنائها وعقولهم والقيم والمبادئ التي نشأت عليها».
كما نستلهم من أقوال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة: «إن المتفوقين هـم قاطرة الابتكار والإبداع والطموح والتطور الحضاري والإنساني».
إن الاعتزاز بالهوية مقروناً بالتقدم التقني والحضاري أمر مهم، ولكوننا في شهر الابتكار الإماراتي، فإننا نتطلع ونطمح إلى مبادرات نوعية تدعم احتضان تطوير ألعاب تفاعلية تقنية، تواكب رؤية المئوية بالتزامن مع اليوبيل الذهبي الإماراتي، وتناسب تراثنا وتاريخنا المجيد، وحضارتنا التليدة، فنحن صناع المستقبل، ونحن نبراس الحضارة العربية الإسلامية، وهذه الصناعة ستشكل منجماً من الموارد الإبداعية الحاضنة للثقافة والفنون، والتقنيات الحديثة، والتسويق لمحتوى علمي ترفيهي قيّم، قد يتضمن تاريخاً موثقاً ومسروداً، وأداة مؤثرة لتغيير الفكر والصور النمطية، والتأثير الإيجابي، ولنتحول من متلقين لفكر لا يد لنا فيه، إلى مصدر إلهام بشري وصناع محتوى تفاعلي مؤثر، مع ربح مادي ومالي، وأثر اقتصادي، وتقني، وحضاري ملموس.
مستشار إداري وتحول رقمي وخبير ومقيم تميز مؤسسي
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.