بوتين وماكرون.. قصة صورة

تعرّضت صورة الرئيسين الروسي والفرنسي لسخرية شديدة على مواقع التواصل، وقام البعض بتركيب عناصر ساخرة عليها، وفي الوقت نفسه أخذ البعض الصورة بجدية تامة، وقالوا إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يهين نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون.

قصة الصورة أن الرئيس الفرنسي رفض فحص المسحة الأنفية الخاص بـ«كورونا»، خوفاً من حصول الروس على حمضه الريبي، وبالتالي احترم الجانب الروسي رغبته، لكنهم أجلسوه بعيداً عن مضيفه الروسي بوضع طاولة تمتد ستة أمتار بينهما.

لا أعلم إن كان قصدها الروس، لكنها تستحق جائزة أفضل صورة في العام. فلو قامت الحرب، ونتمنى ألا تقوم، فإن الصورة أفضل مقدمة للحرب، وإن لم تقع الحرب فستبقى صورة رمزية في ذاكرة العالم عن ذلك اللقاء الغريب.

المتمعّن في الصورة سيلاحظ خلوها من أي مظاهر البروتوكول، فلا توجد أعلام، ولا توجد صور في الخلفية لبوريس يلتسين أو بوتين أو ديمتري ميدفيديف، ولا حتى كاثرين العظيمة. حائط خالٍ تماماً، تزيّنه ستائر خضراء مذهبة الأطراف.

لا يوجد سوى ثلاثة كراسي، للرئيس وضيفه، وهناك كرسي خال بجانب بوتين، يدفع إلى التساؤل: هل كان معدّاً لمقرر اللقاء، ثم رفض بوتين حضور أي شخص للاجتماع؟ شيء واحد نعرفه، وهو أن هذه هي غرفة استقبال الرئيس الروسي لرؤساء الدول، وفي هذه الغرفة استقبل الرئيس الكازاخستاني قاسم جومارت توكاييف في 10 فبراير الجاري.

طبعاً هذا ليس بسر، وليس بحاجة إلى ذكاء، فلو نظرنا إلى صورة الرئيسين بوتين وتوكاييف سنجد الأرضية نفسها والسجادة نفسها الموجودة في صورة بوتين مع ماكرون، ما يدل على أن طاولة الستة أمتار موجودة في طرف الغرفة أو وسطها.

الصورة تقول التالي:

1- تباعد الرئيسين مسافة شاسعة بالنسبة لاجتماع بروتوكولي يعني أن هناك تباعداً كبيراً في وجهات النظر بين روسيا وحلف شمال الأطلسي.. تباعد في وجهات النظر السياسية والأمنية.

2- تباعد الرئيسين خلق فراغاً كبيراً بينهما هو مركز الصورة تماماً، وأول ما تسقط عليه عين الناظر هو فراغ المنتصف، ثم تذهب العين للبحث في الأطراف عن مادة الصورة، وهما الرئيسان. فإذا كانت المادة مهمشة، والمنتصف فارغاً، فذلك في فن التصوير الفوتوغرافي يشير إلى الخواء أو الوحدة والعزلة.

الخواء والعزلة هو واقع المجتمع الدولي في هذا العقد من القرن الـ21، وهذا الخواء خلقته سياسات الرئيس الأسبق باراك أوباما، وامتداده الرئيس جو بايدن.

3- لأن الصورة في موسكو، فإنها تحمل وجهة نظر بوتين أكثر من ماكرون، وبوتين يبدو كأنه مبتعد عن ماكرون، وليس مهتماً بسماع وجهة نظره.

موقف

كان الخواء وخلو الصور من البشر أو تهميشهم فيها من معايير التصوير الفوتوغرافي في بدايته، حيث إن الكاميرا وقتها لم تكن قادرة على التقاط ما هو متحرك، أما اليوم فأصبحت هذه الصور للأغراض الفنية فقط، أما إذا التقطت لرئيسين في خبر عن «تجنب حرب» فإنها لا تعكس الخبر، ولكنها حقاً تغني عن 1000 كلمة.

• لا أعلم إن كان قصدها الروس، لكنها تستحق جائزة أفضل صورة في العام.

Abdulla.AlQamzi@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

الأكثر مشاركة