راحت عليك يا وكيل...
تسعى دولتنا دائماً لتكون مركزاً تجارياً مستقطباً ومشجعاً للاستثمار، ونشاهد بين حين وآخر توجهات وسياسات حكومية لتغيير منظومة الأعمال التجارية، لتواكب التطلعات العالمية، والمحافظة على مكاسبنا الوطنية في هذا الجانب، ومن بين تلك التوجهات التي يقال عنها هنا وهناك أن حكومتنا ستتوجه في الأيام المقبلة نحو تطبيق مبادئ التجارة الحرة، والسماح للجميع بأن يكون جزءاً من هذه التجارة، بعيداً عن التوكيلات والوكالات التجارية التي تحد في كثير من الأحيان من مبادئ المنافسة العادلة، وتستغل المستهلكين، لعدم وجود من ينافسها.
ربما تظهر هذه المشكلة جلياً في وكالات السيارات، حيث يوجد فرق كبير بالسعر بين السيارات المبيعة داخل الوكالة وخارجها، وفي المقابل يقدم الوكيل خدمات بسيطة لا تتناسب مع حجم الفرق بين السعرين، وفي جانب آخر، إن بعض وكالات السيارات ترفض استيراد سيارات بمواصفات مخصوصة، لحجب سياراتها عن فئة من الناس، وجعلها مناسبة لطبقة معينة، وقد أخبرني أحد الأصدقاء عن سيارة تُباع في دولة مجاورة، وتختلف بمواصفات بسيطة جداً، تكاد لا تذكر، عن السيارة المبيعة محلياً، وفارق السعر بين الاثنتين كبير جداً، وقد يكون هناك من يرحّب بهذا الأمر، خصوصاً محبي المظاهر، ممن يريدون التميز لطبقتهم الاجتماعية، ولكن من زاوية ثانية، هذا أمر مرفوض، فمن حق الجميع أن تتاح له خيارات متعددة، ويختار هو ما يناسبه.
ولا يخفى عليكم اليوم صعوبة اقتناء الساعات الثمينة، لندرتها في السوق، وذلك بعد أن فطن الوكلاء إلى المزايدات التي يجريها أصحاب المزادات المرخص لهم، الذين باتوا يبيعون مثل هذه الساعات والأشياء الثمينة عبر مواقع إلكترونية، فبعد أن فطن الوكلاء لذلك، خلقوا لأنفسهم منصات للمزايدات بأسماء مختلفة، يبيعون من خلالها بضائعهم بأضعاف مضاعفة، مستغلين لهفة المشتاق، وغباء بعض المغرورين، الذين تأبى مروءتهم الفوز بالمزاد على حسابهم، مهما بلغ سعر السلعة، لذلك فالتنافسية ستكون لها مقاييس أخرى في ظل التجارة الحرة.
لقد ذكرت موضوع السيارات كمثال لنفهم ما يحصل، ولكن عندما تفتش في جميع الأمور ستجد السيناريو نفسه في الكثير من المجالات، وبالطبع هذا الأمر يجعل أشخاصاً بأعينهم أو شركات بعينها يتحكمون في السوق وفي أسعارها، بينما نجد في بعض الدول هناك أكثر من وكيل معتمد لسلعة معينة، وكل وكيل يقدم مزايا أو قيمة مضافة لسلعته، بحيث تتحقق مبادئ التنافسية ومنع الاحتكار، وأنا أعلم علم اليقين بأن هذا الطرح يرفضه الكثيرون من أصحاب التوكيلات التجارية، لأن هذا يهدد بشكل مباشر شركاتهم وتجارتهم، ولذلك يجب عليها خلق توازن بين هذه الأمور، فمن حق المستهلك أن يجد خيارات تناسبه، ويجد تنافسية تصب في مصلحته، وفي الوقت نفسه نحن نرحّب بشركاتنا الوطنية وتوكيلاتنا التجارية، عندما تكون على قدر المنافسة، وتقدم لمتسوقنا ما يخدم احتياجاته، ويتناسب مع دخله المادي.
مبادئ التجارة الحرة فيها فوائد كثيرة لاقتصادنا، صحيح أنها ستخلق نوعاً من الإرباك في بداية الأمر، لكن هي الأنسب لخططنا طويلة الأمد، خصوصاً ونحن ندخل عصر الشركات العابرة للحدود، ولا أقصد هنا الشركات العملاقة التي تحتكر السوق لنفسها، بل أقصد أنظمة التجارة الإلكترونية، التي جعلت العالم سوقاً مشتركة ومفتوحة للجميع، ويجب أن نستعد لهذه المرحلة، ونهيئ أسواقنا لهذا الانفتاح القادم، ونوفر لمتسوقنا خيارات متعددة، يختار ما يناسبه منها.
• فمن حق الجميع أن تتاح له خيارات متعددة، ويختار هو ما يناسبه.
twitter.com/dryalsharif
محامٍ وكاتب إعلامي
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.