فرحة القراءة

ساعات ما قبل النوم كانت من أمتع ذكريات الطفولة، فقد كان الكبار يقصّون علينا حكايات مليئة بالسحر والعجائب، كانت معظمها عن «علي بابا والأربعين حرامي»، و«السندباد»، و«علاء الدين ومصباحه السحري»، إضافة إلى حكايات أخرى من الموروث الشعبي.

أفضل هدية تلقيتها في سن العاشرة كانت بطاقة اشتراك في مكتبة الحيّ في مدينة دمياط، حيث كنّا نقيم. اعتدت الذهاب إلى المكتبة وقراءة كتب القصص الخيالية التي كانت تنشرها المكتبة الخضراء، وقصص قصيرة كتبها كتّاب مصريون حديثون، مثل محمود تيمور، وترجمات الكتب الأميركية التي أعطيت لنا مجاناً من قبل «دار نشر فرانكلين».

لم يكن لدينا جهاز تلفزيون. بدلاً من ذلك، كان لدينا رف كتب باللغتين العربية والفرنسية، وفي وقت لاحق باللغة الإنجليزية. سرعان ما أصبحت القراءة هواية ممتعة، لاسيما بعد وجبات الغداء المتأخرة، عندما يخلد الكبار لنوم قيلولة بعد الظهر.

ومنذ ذلك الحين، كان الكتاب دائماً رفيقاً وصديقاً أتمتع بمحادثته. هنا يجب أن أشير إلى أن النظرة إلى الكتاب كرفيق موجودة في الثقافات العربية وكذلك الغربية:

«الكتاب.. نِعْم الجليس.. ونعم الأنيس ساعة الوحدة، ونعم المعرفة ببلاد الغربة».. الجاحظ في «كتاب الحيوان».

«خَيرُ جَليسٍ في الزَمانِ».. كتـــــابُ المتنبي.

«ليس ثمة من صديق كالكتاب».. إرنست همنغواي.

«الأدب هو فضائي المفضّل. لأنني أجدني لست محرومًة من حقوقي. الكتاب صديق يتحدث معي دون حرج أو إحراج».. هيلين كيلر. «قصة حياتي».. (كاتبة أميركية كانت محرومة من نعمة البصر والسمع والنطق).

«كلما قرأت أكثر، كلما عرفت المزيد من الأشياء. كلما تعلمت أكثر، كلما ذهبت إلى المزيد من الأماكن».. دكتور سوس.

«أجد التلفزيون أداة تعليمية تحفّز على القراءة، لأنني في كل مرة يدير الأهل جهاز التلفزيون أذهب إلى الغرفة الأخرى وأقرأ كتاباً».. جراوتشو ماركس، (ممثل كوميدي أميركي).

الكتاب هو وسيلتنا لنحرّر أنفسنا من قيود الزمان والمكان. دعوني أوضح هذه الفكرة. إذا طلبت منك أن تخبرني أين تعيش فقد تقول: «أعيش في الإمارات العربية المتحدة»، أو بشكل أكثر تحديداً «أعيش في الجميرا»، وقد يقول آخرون في لوس أنجلوس، أو باريس، أو برلين، أو في الإسكندرية الرائعة (مدينتي). لكن الإجابة الأكثر دقة هي: «إننا نعيش في أجسادنا». كبشر نحن خاضعون للقيود المفروضة علينا من الزمان والمكان. لا يمكننا أن نكون في مكانين في الوقت نفسه، ولا يمكننا العيش في عهدين في الوقت نفسه. نحن نعيش هنا والآن. قد تأخذنا الطائرة إلى وجهات بعيدة، لكن الكتاب يمكن أن ينقلنا عبر الزمان والمكان بسهولة وبوتيرة أسرع بكثير. الكتاب هو أفضل وسيلة لدينا للسياحة في فضاءات الثقافات الأخرى والأزمنة الماضية. هنا قد تسألني: «من أين أبدأ؟».. عليك أنّ تضع خطة قراءة والمشاركة في القراءة الحرة، قراءة الكتب حول الموضوعات التي تعجبك.. استخدم المكتبة العامة القريبة منك - واقرأ بانتظام.. تطوّع بالقراءة للطلاب الصغار في المدارس، أو تبرع بالكتب القديمة إلى المكتبة أو دار الحضانة أو المستشفى.. أنشر المعرفة أينما كنت.

دعوني أترككم مع هذا التعريف الجميل لماهية قراءة الأدب: يقول الجاحظ: «إنما الأدب هو عقل غيرك تضيفه إلى عقلك».

باحث في قسم لغات وحضارات الشرق الأدنى بجامعة هارفارد الأميركية