مساحة ود
اتركوهم
حين تستدير ظهورهم ويختفي بريق عيونهم ويهدأ شغف حديثهم، وألق حضورهم وطيب صحبتهم، حين يتساوى الوصل والجفاء والحضور والغياب... اتركوهم. حين يسود الفراغ في وجودهم وتختفي أريحية قربهم، فيفتشون في النوايا ويختلقون الأعذار ويبررون التجاهل... اتركوهم. حين نصبح صوراً قديمة وذكريات مدفونة ومشاعر منسية وقيداً على الحرية... اتركوهم.
حين يعتقدون أننا ملك خالص وصك أبدي وأرض لا تجوز لغيرهم... اتركوهم.
حين تستقبلنا أيامهم بلا بهجة فتغيب الضحكات والكلمات خلف عبوسهم وانغلاق نفوسهم، ولا يبقى سوى ضيق صدورهم ونضوب عطائهم... اتركوهم.
حين تغادر قلوبهم واهتمامهم وأحلامهم بعيداً عن دنياكم فيسود الصمت والخواء، فلا تتشبثوا بأياديهم أبداً، فقط... اتركوهم.
حين تحلق أرواحهم بعيداً وهم بجواركم وترتاح لغيركم وتأنس في غيابكم، حين يصبح الحبّ عبئاً والاطمئنان فضولاً والانتظار قيداً خانقاً... اتركوهم.
فأسوأ ما نرتكبه في حق أنفسنا حين نظلمها بإرغامها على الاستمرار في علاقة مشوهة وغير متكافئة، حبّ من طرف واحد، زواج لم يبقَ منه سوى الشكل، صديق لم يعد يخلص لنا وداً، ابن يفتح ذراعيه للحياة بعيداً عنا، جار يغلق بابه دوننا، قريب لا يريد وصلنا.
الحبّ ليس في شخص من نحبه، بل هو ذاك القلب الذي يحتوينا ويفضلنا على نفسه، والعقل الذي يستوعبنا، والجوار الذي يشعرنا بالأمان.
الحبّ أياً كانت أطرافه قصة حياة وحكاية عظيمة من الراحة والمودة والتكامل ومشاركة حلو الأوقات ومرها، وليس فقط سقفاً أو جواراً أو مالاً أو مصالح. أما العلاقات التي تذبل معها الروح وينكسر فيها القلب فليست حباً أبداً، بل هي استغلال وأنانية واستدعاء للمرض والتعاسة، فالتمسك بجوار من لا يريدنا إهانة للكبرياء وانتقاص للكرامة لا يقبله عاقل معتد بنفسه، ولم يقبله لنا الخالق في علاه حين كرّمَنا.
استكمال الطريق رغم أشواكها مؤلم للنفس ولسلامها، ومن العبث ترك مشاعرنا ودنيانا في يد تريد كل صباح أن تفلتنا وترحل، بينما وسع الحياة وسعتها يحمل الخير، وإن ظننا أنه شر مطبق.
القلوب بين يدي الرحمن يقلبها كيف يشاء، وعلينا تقبل ذلك بصدر رحب ونفس مطمئنة يقيناً بخيرية اختياره لنا بقاءً أو رحيلاً، فأخلصوا الودّ لمن يبادلونكم به، وأسعدوا قلوبكم بمن يسعد بها ومعها، والزموا صحبة من يحبون فيكم العيوب قبل المزايا وردّدوا في نفوسكم كل فجر جديد «نحن نستحق»، أما أولئك الذين تغيب صوركم عن عيونهم ويطرقون أبواب الرحيل فبادروا دون تردد، بفتحها على مصراعيها... واتركوهم.
@amalalmenshawi
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.