«باقي يطلع لك من الحنفية»
مازلنا، وللأسف، نعاني وبشدة الاتصالات الهاتفية المتطفلة من قبل مندوبي البنوك والاتصالات والشركات العقارية والأسهم، وفي الآونة الأخيرة شركات خدمات صيانة السيارات، ولا يقف الأمر عند الاتصال الذي لا يخلو من «ثقل الدم والغثاثة»، والذي يبدأ:
«أنا فلان من شركة كذا، ممكن آخذ من وقتك؟
تجيب بكل بساطة: لا، أنا غير مهتم.
يرد بكل عنجهية وتهكم: ليش مش مهتم؟
ترد: أقول لك شي، ليش ما تناسبني؟».
ليكون موقفك في حسبانه أنك أنت من أسأت الأدب، فهو المسكين يقوم بدوره، ويبحث عن مصدر دخل له يعزز مكانته في الشركة المنتسب لها، أما أنت وانشغالاتك فلا قيمة لها في خطة عمله، وليس ذنبه أنك تتلقى مثل مكالماته يومياً ما يجاوز عدد أصابع اليد، أو أنك لم ترتب جدول أعمالك لتلقي مكالمته وزملائه المندوبين، أو أنك حتى إن كنت موظفاً «وتوّك» راجع من الدوام في الطريق، أو «تتغدا» فهذه مشكلتك، فدوامك ينتهي، أما المندوب فيعمل 18 ساعة واحمد ربك أنه تركك تنام ست ساعات.
اقتحام للخصوصية، وتطفل على أحوالك، ومصير أموالك، بدعوى الترويج، خبتم وخاب ترويجكم إن كان هذا منوالكم، ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل يملؤون صفحات هاتفك برسائل نصية، ورسائل عن طريق «الواتس أب»، فتجدهم «ينطون» لك من كل حد وصوب، وفي كل تطبيق.
خصوصياتنا باتت في مهب الريح أمام شركات تبيع أرقام زبائنها ومستخدميها لشركات أخرى، أو يقوم بعض المندوبين بمشاركة الأرقام فيما بينهم، لمساعدة بعضهم بعضاً في بيع المنتجات والخدمات؛ فما أن تسجل اهتمامك بشراء عقار معين، حتى تجد ألف مكالمة لعرض تلك العقارات، «شو ما كانت ووين ما كانت»، كل ما في الأمر أن مندوبي المبيعات أو الوسطاء أو حتى العاملين في أقسام التسويق والترويج، يقومون بتوزيع قائمة الأرقام التي بحوزتهم لزملائهم في العمل، أو حتى لزملائهم في شركات أخرى، مقابل أن يزودوهم بما يملكونه من قوائم وأرقام هواتف.
يخبرني أحد الزملاء بزيارة مندوب إحدى الشركات العقارية له، وعندما وجد أنه ليس لديه نصيب عنده، بات يلح عليه أن يعطيه أرقام أصدقائه وأقاربه، لكي يعرض عليهم خدماته وسلعه، ويقول لي لن أقول لهم إنك من أعطيتني الأسماء، يقول صاحبي: في حينها فكرت كم شخص يوافق على هذا الأمر ليخلص من ذلك المندوب «اللزقة»، الذي لا يكل ولا يمل، رغم رفضك عروضه، ويريد أن يخرج بأي مصلحة من تعامله معك، حتى لو كان قائمة أرقام لزبائن محتملين، وكم شخص سيتعاطف معه لأنه يريد أن يأكل «عيش»، وكم شخصاً سيتعاطفون ويتواطؤون مع دلال هاتيك الفتاة الجميلة الدلوعة؟!
قد يظن البعض أني أتهجم على شركات العقارات ومندوبيها، ولكني لا أقصدهم، فالأمر ليس مقصوراً ولا حكراً عليهم، طفح الكيل من تلك التصرفات والممارسات التي تسبب الإزعاج لكثيرين، وتنتهك خصوصيتهم، نحن بحاجة لتفعيل دور الحسيب والرقيب على مثل هذه الأمور، ولتحد من تصرفات هؤلاء «المناديب»، لأنه «ما باقي إلا أن يطلع لنا من الحنفية».
twitter.com/dryalsharif
محامي وكاتب إعلامي
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.