تاريخ القهوة عندنا وعند الغرب
منذ أيام كنت أنا وأصدقائي هنا في جامعة هارفارد نحتسي أكواباً من القهوة الأميركية المصفاة ونتحدث عن إمكانية تنظيم مؤتمر دولي حول القهوة بوصفها مشروباً اجتماعياً والمقاهي كمواقع للمقابلات الاجتماعية والتجمعات البشرية، ندعو إليه الأكاديميين والكتاب والفنانين من جميع أنحاء العالم للتحدث عن القهوة رمزاً للتواصل الاجتماعي والسلام العالمي، واقترحنا أن يشمل المدعوون أعضاء من مجتمعات متنوعة تشرب القهوة وتنسبها إليها، مثلنا نحن العرب وخصوصاً أهلنا في الخليج، ومثل الأتراك واليونانيين والأرمن والنمساويين من سكان مدينة «فيينا» الذين يعتبرهم التاريخ أول شاربي القهوة في أوروبا منذ عام 1683، الإثيوبيين، الكولومبيين، والإيطاليين، وطبعاً أي رجل أو امرأة من سكان باريس. واقترحنا أيضاً أن يغطي المؤتمر تاريخ القهوة والمقاهي، وتمثيلات القهوة في الأدب العالمي، والموسيقى، والفنون، من بين أشياء أخرى. وبدأنا نبحث عن مؤسسة مثل Starbucks «ستاربكس» أو Costa «كوستا» يمكنها أن ترعى هذا المؤتمر الذي نخطط لنشر أوراق البحث والعروض التي ستقدم فيه في مجلد مصوّر للقراء يمكنهم وضعه على طاولة القهوة في غرفة استقبال الضيوف.
والقهوة مشروب غارق في التاريخ ربما بدأ في بلاد الحبشة أو اليمن، وخصوصاً منطقة مخا، والتي سميت قهوة الموكا باسمها (mocha)، وللعثمانيين دور كبير في تاريخ القهوة إذ يرجع الفضل لهم في تقديم المشروب إلى أوروبا، فكيف كان ذلك؟
دعوني أجلس في مقعدي المفضّل وأحكي لكم حكاية اكتشاف أوروبا لمشروب القهوة وأنا أرتشف قهوتي الأميركية المفلترة (في غياب القهوة العربية المخلوطة بالهيل، فأنا هنا في بلاد الغربة وأتشوق إلى الرجوع للإمارات وللأصدقاء).
ومن الغريب أن القهوة في منتصف القرن الـ16 كانت تصنف مشروباً غير مشروع، فالطبيعة المحفزة للقهوة جعلتها محظورة في إسطنبول. وصدرت بالفعل فتوى بعدم جواز شرب القهوة وعندما كانت السفن المحمّلة بحبوب البن تضبط عند وصولها الميناء، كانت الشحنة تصادر وتلقى في البحر. ومع ذلك، تم تجاهل الفتوى إلى حد كبير، واستمر الناس في تحضير وشرب القهوة كالمعتاد، حتى نهاية القرن عندما تم رفع الحظر الرسمي.
بدأ العثمانيون بتصدير مشروبهم المفضل لجميع أنحاء أوروبا. في عام 1669 قدم السفير التركي القهوة إلى البلاط الباريسي للويس الـ14. وفي عام 1683 حاصر الجيش العثماني فيينا للمرة الثانية ولم يتمكن من الاستيلاء عليها وعندما بدأ النمساويون بالهجوم المضاد، هرب العثمانيون تاركين وراءهم كل شيء - بما في ذلك 500 كيس من حبوب البن الخضراء. لم يعرف أحد ماذا يفعل بها - باستثناء البولندي فرانز كولشيتسكي، الذي نشأ في إسطنبول وكان يعرف القهوة والذي قام فيما بعد بافتتاح أول مقهى في فيينا، مضيفاً الكريمة والعسل إلى القهوة المرّة لتلبية أذواق أهل فيينا، العاصمة النمساوية. دخلت القهوة إلى فيينا بالاسم العثماني «kahve»، وهو أصل الكلمة التي تستخدمها شعوب الغرب اليوم.
وفي أواخر القرن الـ18 في باريس شاركت القهوة، كمشروب منشط ومكان لتجمع المفكرين، في دفع حركة التنوير فكانت المقاهي في باريس موطناً لكتاب مثل «فولتير» و«ديدرو»، ومناقشات حول التنوير. ولعبت مقاهي لندن دوراً نشطاً في تقوية هذه الحركة الفكرية الأوروبية التي ركزت على العقل والفردية بدلاً من التقاليد.
ولشرب القهوة أسباب ومعان وإيحاءات في الثقافات المختلفة، ففي أمريكا وكندا لا يمكن تصور الحياة الأكاديمية دون وجود القهوة، وفي مصر شرب القهوة السادة (بدون سكر) طقس أساسي في العزاء والترحم على الفقيد أو الفقيدة، وفي تركيا قد تبدو العادات والتقاليد المرتبطة بالقهوة غريبة، فلتحديد «رجولة» العريس المستقبلي، تحضر العروس فنجاناً من القهوة الممزوجة بالملح، الكثير من الملح للإشارة إلى أنها غير مهتمة، أو القليل منه لتظهر أنها ترغب في الارتباط به. إذا شرب الخاطب الفنجان كله يثبت بذلك رغبته في الزواج.
وعلى أمل الرجوع للإمارات وشرب القهوة العربية مع الأصدقاء والخلان.
• القهوة مشروب غارق في التاريخ ربما بدأ في بلاد الحبشة أو اليمن.
• باحث في قسم لغات وحضارات الشرق الأدنى بجامعة هارفارد الأميركية
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.