5 دقائق
مروّجو الثراء
يوماً بعد يوم تزداد أعداد الأشخاص ممّن يسمّون أنفسهم برواد الأعمال أو أصحاب الأفكار العظيمة، أو من يسمّون أنفسهم صنّاع الثراء والغنى، أتحدث هنا عن أشخاص تجدهم في كل مكان، في إعلانات «اليوتيوب»، ومنشورات «الإنستغرام»، ولا يخلو «السناب شات» من فيديوهاتهم، ولا حتى «تويتر» من تغريداتهم، ومكانهم ومنبع تواجدهم هناك في «التيك توك»، حيث يمرحون ويلعبون ويصورون للناس بأن الثراء والغنى الفاحش على بعد خطوة، ويبيعونهم الوهم، فتجد شبابنا بات يستسهل هذا الأمر ويفكر بطريقة أو أخرى، لأن كل شيء مباح للوصول إلى هذا الهدف.
للأسف تعج وسائل التواصل الاجتماعي بمنشورات وفيديوهات تروّج للثراء، ومروجو هذه الفكرة لا يستندون إلى أسس اقتصادية أو عملية ولا حتى لأفكار ثورية قد توصل البعض للثراء، وأنا هنا لا أنكر أن البعض منهم يحاول أن يفتح الباب لعوالم المداولة عبر الإنترنت أو العملات الرقمية، التي باتت موضة هذه الأيام، صحيح أن بعضها فيه الخير والخير الكثير، لكن ترويجها وطريقة تصويرها للناس هو المشكلة ومنه الخوف، وفيه يصطاد البعض ضحاياهم لتوريطهم في عمليات نصب واحتيال، وهنا أقف وأتوقف.
فجأة ودون سابق إنذار، بات الجميع يريد أن يصبح ثرياً، ولا أقصد هنا الثراء العادي، فجميع البشر ومنذ الأزل يسيرون على هذا الدرب، ولكن ما أقصده هي تلك الحالة التي يتصورها البعض بأن يصبحوا بين ليلة وضحاها من أصحاب الملايين ممن يتمتعون بحياتهم بكامل أوقاتها ولحظاتها، فقط لأنهم استثمروا في إحدى العملات الرقمية، وكلما تحدثهم وتناقشهم بأن هذا ما هو إلا وهم، يقولون لك ضع نفسك مكان الشخص الذي دفع ما يملك من عملة البيتكوين مقابل بيتزا، هذا الغبي الذي أضاع على نفسه الملايين، وفي المقابل شخص آخر دفع سنتين مقابل العملة الرقمية، وها هو اليوم من أصحاب الملايين، نعم أتفق معك في هذا، ولكن ليس بهذه السهولة التي تتصورها.
في الآونة الأخيرة ازداد بكثرة عدد من يسمّون أنفسهم مؤثرين ومتخصصين بريادة الأعمال وجني الأرباح والاستثمارات، وتجدهم يعملون جاهدين للترويج لأفكارهم بشتى الطرق والسبل، وللأسف شبابنا ينقادون وينجرفون نحو هذا الأمر، لتجد أنهم انحرفوا عن مسارهم التعليمي والأكاديمي بحجة أن الثراء هناك موجود في الشبكة - شبكة الإنترنت طبعاً - فمن المؤكد أنهم لن يقولوا لك أن الثراء في شبكة الصيد مثلاً، ولو أنهم تفكروا قليلاً بقولهم، فسيعلمون أن الثراء فعلاً موجود في شبكة الصيد، فعندما يصبرون على هدفهم مثل الصياد، ويعرفون كيف وأين ومتى يذهبون للصيد، حينها سيصلون إلى هدفهم، فالثراء يحتاج إلى صياد شاطر محترف يميز الفرص من الوهم، لكن طريقتهم للأسف ما هي إلا وهم يلاحقونه، ويستنزف مدخراتهم وأموالهم ووقتهم في سبيل غنى فاحش، يتصورون أنه سهل المنال، والسبب كثير من المؤثرين وصنّاع المحتوى، الذين امتهنوا المهنة ليحققوا لأنفسهم الثراء على حساب المشاهدين والمتابعين، أو يقومون بممارسة النصب والاحتيال عليهم، فالحذر من هذا وذاك.
twitter.com/dryalsharif
www.ysalc.ae
* محامٍ وكاتب إعلامي
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.