النِعم
نتقلب فيها أعواماً وراء أعوام حتى نعتادها، ما بين أمن وصحة ومال وولد وسُمعة طيبة وستر ونجاح ومحبة من حولنا.
لكل منا نصيبه العادل منها، فهنا نقص يكتمل هناك حتى تتواصل الحياة ويتكاتف الإنسان مع أخيه لتستمر حاجة بعضنا بعضاً، سرٌ رباني يضمن إعمار الأرض وديمومة تماسكها.
يقيدها الشكر ويديمها، ويُنقصها التباهي والاستعراض، وتغادر بلا رجعة مع البذخ والتبذير وعدم مراعاة من حولنا ممن حرمتهم الأقدار منها لحكمة يعلمها الخالق وحده.
فكم بيوت عامرة بها يعرف أهلها قيمتها وقدرها، هبةً غالية من المولى عز وجل فتدوم وتتوارثها الأجيال، وكم من أناس داخلهم فيها الهوى وحب الاستعراض والتباهي وأسرفوا فيها، فتقلبت أحوالهم بزوالها، وهي إن زالت قلما تعود.
الاعتدال والوسطية وصفة ربانية في كل الأديان وخلق رفيع سامٍ يحافظ على سلام الصدور ويمنع الحسد والبغضاء بين بعضنا بعضاً، وهو ما يتنافى مع ما يقوم به البعض من مشاركة ما ينعمون به من مال وسيارات وملابس وسفر، وغيرها على وسائل التواصل الاجتماعي بطرق باتت مستفزة، ولا مبرر أو مسوغ لها وسط عالم يضج من حولنا بالمشكلات والمآسي التي تحتاج إلى ترفق ورحمة ومراعاة مشاعر بعضنا بعضاً.
نحتاج إلى تعليم أنفسنا وأبنائنا أن كثرة النعم مدعاة لعمل الخير، ومد يد العون والإحساس بالمعوزين والمرضى، والبُعد عن التبذير وعدم التدبير.
نحتاج إلى تعليم أنفسنا وأبنائنا أن السعادة الحقيقة ليست في إثارة ضغينة محروم أو إشعال الحسد في قلب فقير، بل في إدراك أن النعمة فضل من المولى عز وجل وعطية تستوجب الحمد.
نحتاج إلى أن نحصن أبناءنا من التأثر بذاك الطوفان الذي يعرض في كل لحظة أشكالاً من البذخ والإسراف تتضاءل بجواره قيم التعلم والعمل والاجتهاد والسعي.
نحتاج إلى أن نخبرهم ونقنعهم بأن قيمة الإنسان وقدره في عطائه لمن حوله، وليس في اقتناء الأشياء الثمينة أو التباهي والاستعراض، نحتاج إلى أن نردد على مسامعهم في كل وقت كل ما يفتح عقولهم الصغيرة لحقائق الحياة ليفهموا عن قناعة أن «كم من مجهول في الأرض معروف في السماء» بخيره وعمله ونقاء صدره وليس بما يملكه.
نحتاج إلى أن ننظر لما حولنا في كثير مناطق العالم من تصارع على الموارد وارتفاع في الأسعار، ونحافظ على ما بين أيدينا من خير ونعم يفتقدها كثيرون.
هي أزمان تتغير فيها أحوال الناس وتتبدل منذ الأزل، ولا يمكث في الأرض إلا ما ينفع الناس، قانون إلهي، من يفهمه ويعمل به يعرف جيداً كيف تدوم النعم وتتماسك الأسر وتزدهر الحضارات وتبقى الأمم. «كم من مجهول في الأرض معروف في السماء» بخيره وعمله ونقاء صدره وليس بما يملكه.
@amalalmenshawi
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.