الفكاهة والضحك.. لماذا نضحك؟
حاول العديد من علماء النفس والفلاسفة ونقاد الأدب الإجابة عن هذا السؤال: لماذا نضحك؟ كان هنري بيرغسون (1859-1941)، الفيلسوف الفرنسي الشهير، واحداً من كثيرين ناقشوا هذا الموضوع، فقد نشر مقالاً مثيراً للاهتمام بعنوان «الضحك»، مشيراً إلى مقولة أرسطو أن الإنسان حيوان يضحك. يقول بيرغسون إنه لا توجد فكاهة خارج نطاق ما هو بشري تماماً.
عندما نتأمّل في هذه الملاحظة المهمة، نجد أن الفكاهة فعلاً تركّز على الإنسان. عندما نضحك في نهاية النكتة، نضحك على الذات البشرية فيها أو العنصر الذي يذكّرنا بعالم البشر. هل سبق لأحد منّا أن وجد نفسه يضحك عند رؤيته الأهرام؟ أو يقهقه عندما يرى الشجرة في حديقته؟ أو ينفجر في الضحك عند رؤية المائدة في غرفة الطعام؟ إذا كان جوابك بالإيجاب، سأكون قلقاً عليك جداً، وقد أصبح مضطراً إلى إحالتك إلى صديقي الدكتور طلعت، أستاذ الطب النفسي. لذلك فنحن نضحك على ما هو بشري أو ما يذكرنا به.
والضحك يمكن أن يكون سببه تحولاً غير متوقع للأحداث أو المصادفة. على سبيل المثال، قد ننفجر في الضحك إذا رأينا عادل إمام، الكوميديان المصري، أو كريمر، الكوميديان الأميركي في مسلسل «ساينفلد»، يتعثر ويسقط فجأة على الأرض في أثناء حديثه مع شخصية مهمة أو امرأة حسناء كان يود أن يثير إعجابها به. فلماذا نضحك في هذا المشهد؟ يقول بيرغسون إن إحدى الوظائف الرئيسة للضحك هي العقوبة على الإفراط في التصرف، وبعض الإخفاقات الأخلاقية، ففي هذا المشهد نضحك على خيبة الكوميديان في جذب اهتمام وإعجاب المرأة الحسناء، لأنه أفرط في التظاهر وقصد المبالغة في إظهار صفات قد لا يملكها، فعندما سقط على الأرض شعرنا أنه يستحق العقاب، وأعطانا هذا «تصريحاً» أخلاقياً للضحك على وقوعه والسخرية منه.
لكنني أعتقد أن بيرغسون بالغ قليلاً هنا، فليست كل أنواع الضحك تهدف إلى معاقبة الشخص الذي نضحك من أفعاله أو من وقوعه المفاجئ على الأرض، فليست الحركة غير المتوقعة في ذاتها هي التي تضحكنا، ولكن أسباب وملابسات الوقوع ومشاهدتنا لشخص «وقع في شرّ أعماله».
الحقيقة هي أن الضحك ظاهرة تربطنا جميعاً كجماعة بشرية، ويمكن أن يكون غير ضار تماماً، وحتى حسن النية، ألسنا نجد أنفسنا نضحك ونحن نشاهد أولادنا الصغار وهم يحاولون المشي ويقعون على مؤخراتهم؟ أليس ضحكنا هنا مشبعاً بالحب والحنان والشفقة؟ ألا تدمع عيوننا ونحن نضحك على مشهد فلذات الأكباد هنا وهم يحاولون المشي كالكبار؟
وهناك نظريات عدة للفكاهة، منها نظرية الراحة، ونظرية التفوق، ونظرية التناقض. فالفكاهة تخفيف التوتر الناجم عن مخاوف المرء. الضحك والمرح، وفقاً لنظرية الراحة، ينتج عن هذا التحرر من الطاقة العصبية، فقد قال القدماء: «شر البلية ما يضحك». وتعود نظرية التفوق في الفكاهة إلى أفلاطون وأرسطو وتوماس هوبز، فالشخص الموتور قد يضحك من مصائب الآخرين (ما يسمى بالشماتة في مجتمعاتنا العربية)، لأن هذه المصائب تؤكد تفوق الشخص على خلفية عيوب الآخرين. والضحك قد يكون كرد فعل على التناقض الحاصل في موقف ما - طبيب ضخم الجثة يظهر على شاشة التلفاز ليحثنا على اتباع طرق الحمية وتخسيس الوزن. ويمكن أيضاً أن يكون رد فعل لشيء غير متوقع، كما في النكتة الشهيرة: «مرّة عسكري جري ورا حرامي... سبقه».
إنّ الفكاهة مهمة، لا شكّ، لأنها مرآة نرى في انعكاسها صورة عيوبنا، وما هو غير سار ومعطوب في شؤون حياتنا، وهذا النوع من التأمل الذاتي له أهمية قصوى، لأنه يحثنا على تحسين عالمنا، وبناء عالم أفضل.
* باحث زائر في جامعة هارفارد
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.