الأمنيات المتأخرة..
تتشكل في وجداننا مع البدايات المبكرة في التعرف على الحياة، صوراً بألوان الفرح وخيال جامح لا يعترف بالمستحيل، تأخذ ملامحها من الطريقة التي تربينا عليها ومن نظرتنا للناس والأشياء حولنا ولما نتمنى أن نكون عليه في قادم الأيام.
تترعرع بين الجفون وتقفز نهاراً بين جنبات العقل الباطن وتتراءى في أحلام اليقظة وتؤرق عيوننا حين تشاركنا الوسادة ليلاً وتأبى المنام.
تصاحبنا على طريق العمر وتتجدد مع مراحله وتختلف بين جيل وآخر، أمنيات بالمال أو الحب أو النجاح أو التميز أو الذرية، تكبر فينا وتتعدد فلا يسعها الكون على رحابته.
يتحقق بعضها بالجهد والصبر ويتأخر بعضها الآخر لخير يعلمه الله وحده ونفهم مع اتساع الخطوات حسن اختيار الأقدار لنا وترتيب المنح والمنع وتوقيته المناسب.
الأمنيات، منها ما وهبنا الله أدوات لتحقيقها من عمل وتعلم ومثابرة والبعض الأخر بيده وحده لا حيلة لنا فيه سوى التسليم وانتظار الفرج.
الأمنيات تحتاج من يهذب طريق الوصول إليها فلا ضغينة أو استغلال أو معصية أو خطأ فلا قيمة لمال أو سلطان اذ تحقق بلا أخلاق، وهذا دور الأسر بالأساس، علينا أن نفتش عن أمنيات أبنائنا ونستمع لقصصهم الصغيرة وأحلامهم الجامحة ونرتب معهم ما يتمنونه في حياتهم، ونبين ما عليهم القيام به من اجتهاد وعمل لتحقيق هذه الأماني و ما يصعب نيله من أمور غيبية لا يعملها إلا الله عز وجل حتى نرفع عن كواهلهم الغضة عبء الانتظار والعيش في الأوهام .
أمنيات أبناؤنا تستدعي فهما ً لاختلاف الثقافة والتعليم والانفتاح على الآخرين، وبأنهم خُلقوا لزمان غير زماننا ، بشرط ألا تحيد بهم عن ثوابت الدين والأخلاق مهما تأخر موعد وصولها. ..
نحتاج وأبناؤنا سياجاً قوياً من التمسك بالدين والقيم والتزام جادة الطريق لندرك أن رحلتنا في الحياة لابد أن تكون ذات قيمة وليست فقط مجرد أمنيات وأحلام، إن تحققت سعدنا وإن تأخرت فقدنا الشغف والاقبال.
نحتاج أن نربي في أنفسنا وأبنائنا أن الأمنيات قد تتأخر لوقت التأكد من جدارتنا بها وفي الظرف المناسب والعمر المناسب، نحتاج أن نؤمن بأن الحاضر ممتع وبه من النعم ما يستوجب الشكر، وأن التمكين في هذه الدنيا مهما امتد قصير.
الأمنيات والأحلام المتأخرة، على تنوعها واختلافها بين البشر، اختبار إلهي لصبرنا وقوة تحملنا، وتأتي بمشيئته بأعظم مما رسمنا صورها كل يوم في الخيال.
@amalalmenshawi
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.