الآداب الإسلامية في حياتنا
ديننا الإسلامي دين آدابٍ وقِيم وفضائلَ، فقد عُنيت تشريعاته كلُّها بهذه الآداب وصُبغت بها، فأصبحت جزءاً من التشريع، فالأدبُ مع الله تعالى، والأدبُ مع رسوله سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، ومع الأنبياء والرسل أجمعين، والأدبُ في قضايا الإيمان كلِّها، والأدبُ في الصلاة والزكاة والصيام والحج، والأدبُ في التعامل المادي والاجتماعي، والسلم والحرب، فلا تكاد توجد صغيرة ولا كبيرة في حياة المسلم تخلو من تشريع الأدب، وينبغي للمسلم أن يستشعره، ويتحلَّى به حتى يعكس صورة إسلامه وشريعته العظيمة.
ولعظمة الأدب في الإسلام نجد ربَّنا جل شأنُه يخاطب به أنبياءه ورسله، فيأمرهم بالتحلِّي به في أنفسهم وفي دعوتهم، وينهاهم عن التخلِّي عنه، فكانوا أعظم المُثُل لأقوامهم، سواء في سلوكهم الشخصي، أم في دعوتهم وتحاورهم، وكتابُ ربِّنا عزَّ شأنه مفعمٌ بذكر ذلك، وقد عبَّر النبي عليه الصلاة والسلام عن هذا المعنى بقوله: «إن الله أدَّبني فأحسنَ تأديبي».
وكم حثَّنا صلى الله عليه وسلم على هذه الآداب، بقوله وفعله، حتى أن المحدثين أفردوا تلك الآداب بكتب خاصة ضمن جوامعهم وسننهم ومسانيدهم، ناهيك عن الكتب المفردة، ككتاب الأدب المفرد للإمام البخاري، فضلاً عن كتب الفقه التي تعنى ببيان أحكام الفروع، وبالآداب الشرعية لتطبيق تلك الفروع مع الآداب على حدٍ سواء.
وقد كان عليه الصلاة والسلام يؤدب الصغار والكبار، والرجال والنساء، فلا يَعذر أحداً إن هو قصَّر في أدب، حضرياً كان أم بدوياً، في السفر أو الحضر، لحرصه عليه الصلاة والسلام على أن يكون أصحابُه وأهلُ بيته على غاية من التحلِّي بالآداب والفضائل، وحتى ينقلوها للأمة، فتكون الأمةُ وارثةً لآداب النبوة التي بُعث بها.
ومن أهمِّ الآداب التي يتعين على المسلم أن يتحلى بها؛ أدبُه مع ربه، فيخلِص له في عبادته، ويحسن ظنه به، ويصدُق في توكله عليه، ويستحيي منه حق الحياء؛ فيحفظ الرأس وما حَوى، والبطن وما وعى، ويذكر الموت والبِلى، كما أمر نبينا عليه الصلاة والسلام.
ثم ليجعل المرء المسلم ظاهره متسربلاً بالآداب، فلا يُرى منه إلا كلُّ جميل؛ فإن تكلَّم صدق، وإن وعد وفىَ، وإن أُتِمن أدى، وباطنه مغموراً بها، فلا يحسد ولا يبغض ولا يحقد ولا يتكبر، وليجعل التواضع شِعاره، والحلم دِثاره، والصبر زاده، والكرم منهجاً له.
فإذا كان المسلم كذلك، فإنه يكون ممن تزكَّى بهذه الآداب، وترقَّى في مقامات الرجال، فيحبه الله ويحبه الناس، ويوضع له القَبول في الأرض.
أما حياته الأسرية فليعلم أنّ الأدب هو زينةُ الأسرة وجمالها وسعادتها، فيطبق آداب الإسلام مع أسرته، أولاً في نفسه، فيكون صادق القول والفعل، وفِيّاً، باذلاً، مكرماً، منعِّماً، حريصاً على نفع الأسرة وحمايتها، جاعلاً مصلحتها العاجلة والآجلة في مقدمة أولوياته الحياتية، فإذا كان كذلك فإن هذه الآداب ستنعكس على الأسرة، لِما يرون فيه من جمال الآداب، ومثل ذلك الجمال يسري لمشاهديه والمخالطين له بغير استئذان، لما جُبِلت عليه النفوس من حبِّ الجمال والكمال والتأثر به، ويكون بذلك قد منح أسرته الأدبَ الرفيع، وهذه أكبر منِيحة وأفضلها يقدمها رب الأسرة لمن يعول، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما نحل والدٌ ولدَه أفضلَ من أدبٍ حسن»، ولا يكون التأدب القولي بعد ذلك إلا تذكيراً.
هذه الآداب الإسلامية العظيمة نرى كثيراً منها اليوم يتلاشى، فلم يعد الاهتمامُ بها قائماً في المناهج، ولا لدى المربِّين، ناهيك عن أرباب الأسر، لتأثر الناس بالمدنية المعاصرة، والرفاهية الزائدة، فغفل الكثير عنها، ظناً أن واقع الحياة قد تغير، وأن مسايرة العصر لا تكون إلا بالتغاضي عن هذه الآداب!
ومثل هذا التصور يكون سبباً لأن تنشأ الناشئة وهي خالية الوفاض من الآداب الشرعية المرعية، وعندئذٍ تفقد الهوية الإسلامية مِيزتها، ناهيك عن رقَّة الديانة، وانحطاط المكانة المجتمعية.
وإذا أُصيبَ القوم في أخلاقهم فأقم عليهم مأتماً وعويلا.
اللهم ارزقنا حسن الأدب معك ومع رسولك ومع الناس أجمعين.
«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.