المعارك الصامتة
لم أحزن منذ سنوات بقدر حزني على تلك الأم المكلومة التي ذبحت أطفالها الثلاثة في مصر، ثم حاولت التخلص من حياتها، القصة مؤلمة والرسالة التي تركتها لزوجها أشد إيلاماً، قالت الأم باختصار إنها لم تعد تتحمل الحياة وما تمر به، وشعرت بتقصير شديد تجاه أطفالها وزوجها، واعتقدت أنها بذلك خلصتهم من المصاعب التي يواجهونها، وتمنت الخير لزوجها وأن يرزقه زوجة وأبناء أفضل، قد يلومها البعض ويعتبر أن ما حدث هو قلة إيمان، لكن من الواضح أن الأطفال كانوا من ذوي الاحتياجات الخاصة وأن الأم واجهت الكثير من اللوم والحكم من كل من حولها أنها السبب وأنها المقصرة في تربيتهم، خصوصاً أن الوالد يعمل في دولة أخرى، لم تر الأم سوى السواد والألم، وتخيلت أبناءها يتم التهكم عليهم والتنمر بهم، واستشعرت الألم والمعاناة التي سيواجهونها في الحياة، وعلى غرار الفيلم المؤلم «شاتر آيلاند» قررت الأم إنهاء حياة أطفالها.
لا أحد يعلم المعاناة والمعارك الصامتة التي كانت تمر بها الأم، ولا يتخيل أحد قسوة المجتمع، ولا أحد يتخيل كم يمكن أن تجرح الكلمة أو النظرة أو الطُرفة التي قد تطلق بدون قصد، هذه الأم.. واحد من ملايين البشر الذين يخوضون معارك صامتة ولا أحد يعلم بهم أو يمد لهم يد العون، وقد يكون أحياناً قمة العون أن يتركهم الناس لحالهم دون تدخل أو تهكم أو زيادة الطين بلة.
في مجتمعاتنا العربية هناك آباء يعانون في صمت لعدم قدرتهم على تلبية احتياجات أبنائهم، وأمهات يعانين في صمت لمشاكل يمر بها أبناؤهن، وأمهات يتحملن قسوة الأزواج لعدم تشرد أبنائهن، وطلاب يعانون من معاملة أساتذتهم ومشرفيهم لدرجة أن طالباً يحكي أنه وزملاءه يدعون على مشرفهم في كل صلاة للتعنت معهم والإضرار بمستقبلهم!
لا أدري لم انتزعت الرحمة من قلوب البعض، وما هذا الكم من السادية التي يمارسونها، حتى أنهم يجدون جرحاً مفتوحاً فيصبون عليه الملح، لماذا يتدخل البعض في شؤون غيرهم، لماذا لا نقول خيراً أو نصمت! لماذا لا نمد يد العون لبعضنا دون أي غرض أو مصلحة، لماذا لا نسعى دائماً في الخير، فالله عز وجل سوف يرى هذا السعي ويكافئنا عليه أضعافاً مضاعفة.
إن مجتمعاتنا العربية بحاجة لتغيير الآفات السلوكية المدمرة التي تؤدي في النهاية لكوارث إنسانية، نحتاج جميعاً أن نعي تماماً أن كلاً منا لديه معارك صامتة يخوضها، وليس لنا إلا أن نتراحم ونحترم بعضنا البعض ونحنو على بعضنا البعض، لقد تكرر لفظ الرحمة بمشتقاته في القرآن الكريم 268 مرة، وفي الإنجيل تكرر مرات كثيرة بل حث الكتاب المقدس على الرحمة بالأعداء، لسنا بحاجة لبذل الكثير أو تغيير العالم، نحن فقط بحاجة لأن نرحم بعضنا البعض حتى يرحمنا المولى عز وجل، فالراحمون يرحمهم الله، هل من الصعب أن يسأل أخ عن أخته ويصل رحمه؟ ما الصعب أن يحنو الأهل على أبنائهم ويستمعوا لهم؟، ما الصعب أن يحترم المدرس طلابه ولا يتجبر عليهم؟، ما الصعب أن يحترم المدير مرؤوسيه ويقدرهم؟، ما الصعب في أن نبتسم ونقول شكراً ونثني على الآخرين؟
• لا أحد يعلم المعاناة والمعارك الصامتة التي كانت تمر بها الأم، ولا يتخيل أحد قسوة المجتمع.
@Alaa_Garad
Garad@alaagarad.com
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.