التوطين (1)
«التوطين».. مبادرة من حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة لتوظيف المواطنين بطريقة هادفة وفعالة في القطاعين العام والخاص، لكن هل يُستثنى من ذلك القطاع والشركات شبه الحكومية؟ وما دور هيئات وأسواق الأوراق المالية في الإسهام بدعم هذا الملف وحوكمة الالتزام، ومساءلة مجالس الإدارات عن تقاعسها في تحقيق ذلك؟
إن إلزام مجالس الإدارات بوضع التوطين ضمن خططهم الاستراتيجية، لا عبر الإحلال، وإنما عبر تخصيص شواغر للتوسع ــ إن استدعت الحاجة ــ أو عند قيام أحد الكفاءات الأجنبية بالتقاعد، أمر مقبول وواجب، مع نشر المؤشرات الكمية والنوعية (فئات الموظفين ودرجاتهم)، وربط أي خلل في تحقيق مستهدفات التوطين بمكافآت مجالس الإدارات والقيادات العليا بخصم الرسوم والغرامات الحكومية من مكافآتهم السنوية أو الشهرية، مع الأخذ بعين الاعتبار مساءلة غير الملتزمين لسنوات عدة، فيجب التحقيق معهم ومساءلتهم. فهذا الملف شأن وطني، وأي تقصير فيه يجب المحاسبة عليه.
إن التفاعل الملموس عبر قنوات التواصل الاجتماعي، يدفعنا للتساؤل عن صحة بيانات وإحصاءات البطالة، أو أعداد الباحثين عن العمل، وحين تكون شركاتنا الوطنية أداة لصنع الوظائف في دول وقارات أخرى، نستذكر مقولة «جحا أولى بلحم ثوره»!
إن ما نراه من قرارات في القطاع الخاص يدفعنا لاقتراح ضرورة حوكمة القطاع شبه الحكومي، بذات المؤشرات والمشاهدات التي طبّقتها الهيئة الاتحادية للموارد البشرية، وشملت حوكمة التعهيد (أحد أهم سبل الحد من تغيير الأرقام، وادعاء توطين غير حقيقي عبر خفض الموارد البشرية دفترياً)، ولعل وزير الموارد البشرية والتوطين، الدكتور عبدالرحمن العور، أقدر شخص على تحقيق هذه الحوكمة الوطنية، كونه من أسس مفاهيم التوطين الحكومي اتحادياً، ونجح في متابعته، ووضع القيود اللازمة لإجبار المعنيين على تنفيذه. فآليات العمل الحالية لا تلزم الشركات الحكومية بتسجيل وتقديم طلباتها وسداد رسوم لوزارة الموارد البشرية، بينما الواقع يبيّن أنها الأولى والأجدر بذلك.
فالرسوم منها للحكومة، كما أن عدم تسجيل طلباتها لاستقدام أو تعيين موظف من الخارج لن يمكّن من تحقيق حوكمة جدية إلا بهذه الطريقة.
فمن المستغرب مثلاً تعيين متخصص بالموارد البشرية من قارة أخرى، بينما خبراء الموارد البشرية لدينا نجحوا في تأهيل وبناء قدرات بشرية أوصلتنا إلى المريخ، وأسهمت في تشغيل مفاعل نووي، وكذلك استقطاب جهة أخرى لمستشار قانوني لا يجيد اللغة العربية، ولا يفقه بقوانين الدولة وتشريعاتها، علماً بأن نطاق عمل الشركة داخل حدود الدولة!
إن الأخذ بممارسات إقليمية حصرت تعيين وظائف معينة بالمواطنين، حق واجب الفرض والإلزام، على أن يلزم التطبيق بالترتيب: القطاع الحكومي، ثم شبه الحكومي، فالخاص، أما الكفاءات المقيمة الموجودة فيجب الحفاظ عليها دون إهمال ملف التوطين أو إزاحته من سلم الأولويات، ولعل أولها أن يكون مديرو الموارد البشرية وقياداتها وصناع القرار فيها، من أبناء وبنات الوطن. لنبقِ التوطين حجر الزاوية في مسؤولياتنا الوطنية تجاه الجيل الحالي وأجيال المستقبل. إلزام مجالس الإدارات بوضع التوطين ضمن خططهم الاستراتيجية، لا عبر الإحلال، وإنما عبر تخصيص شواغر للتوسع، أمر مقبول وواجب.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.
مستشار إداري وتحول رقمي وخبير تميز مؤسسي معتمد