شرق.. غرب
مرض «الأوميكرون».. تجربة شخصية
أجريت اختبار «كوفيد-19» منذ أيام.. جاءت النتيجة دامغة أعقبتها مكالمة من الطب الوقائي تؤكد ضرورة الاعتكاف في البيت والابتعاد عن الآخرين. اليوم الأول كان الأسوأ، فقد شعرت برجفة تعتريني وآلام في مفاصلي وحرقان في الحلق صاحبه احتقان في العينين وموجات صداع متواترة. مفاجأة غير سارة بالمرة لإنسان يلتزم باتباع كل إجراءات التباعد الاجتماعي واستعمال الكمامة.
طبعاً كان عليّ أن أخبر أصدقائي ومعارفي بمرضي حتى يأخذوا الاحتياطات، ولكن السؤال الصعب الذي ألح عليّ كان: هل أخبر ابنتي التي تعيش في كندا؟ وما عساها أن تفعل وهي على بعد الآلاف من الأميال عني؟ وإذ بها تفاجئني بأنها وزوجها مصابان بهذا «الأوميكرون» من أيام، وكان لزاماً أن أخبرها بمرضي، وأن أستجمع كل ما عندي من إحساس الأبوة وكل ما أكنّه لها من حب أن أخفف عنها، وأن أشجعها على التحمل إلى أن تشفى من هذا الوباء. كنت أوجه لها ذلك الدعم وما كان أحوجني إليه.
أليس غريباً أن يصاب والد في الإمارات وابنته في كندا بالوباء نفسه وفي الوقت نفسه؟
وما أن علم بعض أصدقائي ومعارفي بمرضي حتى توالت رسائل المواساة وتمنيات الشفاء، اطلعت عليها وعيناي تدمعان. فلم أشعر بأنني وحدي في هذا المعترك، ما أن سقطت كفارس من على صهوة حصاني حتى اندفع الأخوة والخلان إلى نجدتي وتذكرت أبياتاً قرأتها ونحن صغار: أخاك أخاك إن من لا أخاً له / كساعٍ إلى الهيجا بغير سلاح.
هي معركة، لا ريب، فالأدبيات الطبية والصحافة العامة ووسائل التواصل الاجتماعي في كثير من الأحيان تشير إلى «المعركة» ضد فيروس كورونا والعاملين في مجال الرعاية الصحية على أنهم «أبطال» يرابطون على «الخطوط الأمامية» للوباء. نقرأ عن «ارتداء الملابس» بمعدات الحماية الشخصية (PPE) قبل دخول غرفة المريض، كما لو كانت هذه الملابس الواهية عبارة عن دروع واقية تتطلبها المعركة ضد عدو شرس.
لا بأس من استعمال استعارات الحرب في هذه الحالة، وإن كنا نوصي باستخدام لغة بسيطة ومباشرة حول التشخيص والعلاج. التواصل بين الأطباء والمرضى، سواء حول «كوفيد-19» أو أي مرض آخر، معقد، ويجب أن تكون اللغة وسيلة لبناء العلاقات وتعزيز التفاهم وفقاً للمستويات المتفاوتة من وعي المريض.
بعد أيام عدة من مرضي، أود أن أقول: إذا تم تطعيمكم وتعزيزه، فإن اللقاحات والمعززات لها القدرة على تحجيم أسوأ عواقب «الأوميكرون» ومحاربة العدوى. ولننتبه إلى الإرشادات التي تأتينا من حكومتنا هنا في الإمارات ولنلتزم معاً، مواطنين كنّا أم مقيمين، باتباعها، فمن واجبنا المدني تجاه مجتمعنا اتباع التعليمات الصحية لوزارة الصحة.
كل صباح أشاهد من نافذتي في الطابق الـ15 في رأس الخيمة، المرفأ وسوق الخضار المفتوح والعصافير التي تحلّق معاً وتحط على الأرض لكي تلتقط حبوب القمح التي يلقيها لها البائعون في السوق. تختلط العصافير بحرية، وتحلق في انسجام تام، تقودها عصفورتان نشيطتان، ثم تهبط لالتقاط الحبوب والاستمتاع بأكلها. أعترف لكم أنني أحسدها وكيف لا وأنا أشاهدها بعيون متعبة، وبحلق ملتهب، وأنف محتقن، ولسان على وشك فقدان نعمة التذوق.
كم أنت محظوظة أيتها العصافير الصغيرة! تتجولين بحرية وربما لم تسمعي أبداً عن التباعد الاجتماعي أو ارتداء الأقنعة أو رش المطهرات.
باحث زائر في جامعة هارفارد
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.
بعد أيام من مرضي، أود أن أقول: إذا تم تطعيمكم وتعزيزه، فإن اللقاحات والمعززات لها القدرة على تحجيم أسوأ عواقب «الأوميكرون» ومحاربة العدوى.