المكتبة الأسطورة
ليس غريباً على صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي -حفظه الله ورعاه- أن ينشئ مكتبةً تُعد أسطورة المكاتب في العالم؛ كمّاً وكيفاً؛ فإن هذه هي نظرته لتطوير البلاد والارتقاء بها إلى آفاق العالمية، وبقدر ما طوَّر دبي حتى أصبحت رمز المدنية المتحضرة، كان لا بد أن تكون الثقافة المعرفية موازيةً لهذا التَّحضُّر، كما هي نظرية إمام علم الاجتماع «ابن خلدون» -رحمه الله- التي تفيد أن كثرة العلوم تساوي كثرة العمران، وأن انهيار العلوم يساوي انهيار العمران، وهي نظرية يشهد لها الواقع المشاهد، في كل عصر ومصر.
ودبي التي غدت أسطورة المدن لا بد أن يكون معلمها الثقافي بذلك المستوى، وهو هذا الصرح المعرفي «مكتبة محمد بن راشد»، وكما قال -حفظه الله- عشية افتتاح برج خليفة عام 2004 وقد كان اسمه المتداول «برج دبي»، فقال «لما صار هذا البرج على هذا المستوى، الأكثر ارتفاعاً في العالم بناه الإنسان، كان لازم أن يرتبط بأسماء العظماء.. فسميناه برج خليفة» رحم الله خليفة الخير وخلَّد ذكره في الصالحين.
وهكذا تكون المكتبة الملتصقة باسمه الشريف، لا بد أن تكون بذلك المستوى الذي هو معروف به عالمياً عظمة ومكانة؛ سياسة واقتصاداً، أدباً وثقافة، فروسية ونجدة.
لقد جاءت هذه المكتبة الأسطورة بعد سلسلة من المبادرات المعرفية المحلية والعالمية، فقد سبقتها مؤسسة دبي العطاء، ومؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة، وقمة المعرفة، وجائزة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة، وجائزة محمد بن راشد آل مكتوم للغة العربية، وتحدي القراءة العربي، ومنصة مدرسة، والمدرسة الرقمية.. إلخ
وكل تلك المبادرات العظيمة لا بد أن تُسقي من أنهار الكتب التراثية والمعاصرة، ما يجعلها تتجدد بتجدد العلوم، وتتطور بتطور العلوم، وتنمو بنماء الذكاء الإنساني، ومادة ذلك كله هي الكتاب الذي سُطِّرت فيه المعارف، وقُرِّبت فيه المعاني، فهو منبع العلوم والحكمة، ومفتاح الخير والرحمة.
وهذا ما صرح به سموه عند افتتاح هذا الصرح الشامخ، حيث قال «هدفنا من المكتبة تعزيز القراءة، ونشر المعرفة، ودعم الباحثين، والمبدعين والعلماء.. هدفنا من المكتبة إنارة فكر الإنسان»، وأضاف كلمة تأصيلية، وهي أن أول وصية من السماء هي «اقرأ» ثم قال: «واليوم نطلق صرحاً ثقافياً وفكرياً لأجيالنا لتنفيذ هذه الوصية» أي الوصية الإلهية بالقراءة ونحن أمة «اقرأ».
وقال حفظه الله: «نريد للمكتبة أن تكون بيتاً للحكمة يلتقي فيه الباحثون، ويبدع فيه الشباب وتُصاغ فيه المعرفة، لا نريد المكتبة مكاناً للكتب فقط، وإنما مكاناً يستقطب الشباب، ويحفز روحهم الأدبية والثقافية والمعرفية»، وبين سموه أن أهمية المكتبة كمفهوم معرفي شامل، فقال «نسعى إلى إعادة تعريف المكتبة كمعنى ومبنى في عالمنا»، وقال حفظه الله: «هذه المكتبة هي استمرار للجهود التي تبذلها الدولة لترسيخ القراءة في المجتمع، وجعل الكتاب جزءاً من الحياة».
هذه هي همة سموه السَّامقة للنهوض بالأمة معرفياً وثقافياً، فهو الخبير بأن المعرفة هي مفتاح الرُّقِيِّ الحضاري، فهو كما يدعو أبناء شعبه وأمته العربية والإسلامية للقيام بواجبهم المعرفي؛ فإنه يهيّئ لهم السبيل ويسعفهم بما يعينهم لما يدعوهم إليه الكتاب العزيز من القراءة والتعلم والفهم للوصول إلى معرفة الله تعالى أولاً، ثم فتح آفاق التقدم والرقي بالأمة، وكسب رهان الحضارة المدنية، فإن ذلك كله لا يدرك إلا بالعلم، والكتاب هو نافذة العلم، وهذا هو منهج العلماء الكبار في كل زمان، وكما قال الزمخشري:
كتابٌ أجالسه مؤنسٌ أحبُّ إلي من الآنسه
وأدرسه فيريني القرون حضورا وأعظمهم دارسه
ومن قبله قال أبوالطيب:
أعزُّ مكانٍ في الدُّنا سرجُ سابح... وخيرُ جليسٍ في الزمان كتابُ
وقال غيره:
نعم الأنيسُ إذا خلوتَ كتابُ تلهو به إن خانك الأحبابُ
لا مفشياً سراً إذا استودعته وتُفاد منه حكمةٌ وصوابُ
وقال آخر:
ولكل طالب لذةٍ متنزهٌ * وألذ نزهة عالم في كتبُه.
«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.