الكيس بفلوس
أشرت في مقال الأسبوع الماضي إلى موضوع فرض رسوم أو تعرفة خاصة على استخدام الأكياس البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد، وكيف لهذا الأمر أن يُغيّر من سلوكيات البعض، ولكن ليس من حرصه على البيئة بقدر حرصه على أمواله، وهنا يجب أن نتساءل: هل فعلاً مثل هذه الإجراءات قد تُغيّر من سلوكياتنا ونظرتنا وتعاملنا مع القضايا البيئية، أم أن مثل هذه الأمور رغم أهميتها لن نضع لها وزناً إلا لو اقتربت من جيوبنا وأموالنا، أو كانت تهديداً صريحاً ومباشراً لحياتنا؟! هذا ما أود مناقشته معكم في مقال اليوم.
في الحقيقة وبعيداً عن أي تجميل للحقائق، فإن موضوعات المحافظة على البيئة وما نواجهه من أخطار وصعوبات في التعامل مع الملف البيئي مازال لم يؤثر فينا ولا في سلوكياتنا ولا حتى في قراراتنا إلا بالشيء اليسير، فعلى الرغم من أننا عشنا تجارب عديدة في دولتنا للتشجيع على استخدام المواد الصديقة للبيئة أو التقليل من استخدام المواد البلاستيكية، فإننا لم نحرك ساكناً في أغلب الأحيان، وحتى عند استضافة دولتنا لفعاليات معرض «إكسبو دبي»، والتي عمد القائمون على تنظيمها إلى تعميق فكرة السلوك البيئي كسلوك مجتمعي يؤثر في قراراتنا وتصرفاتنا، إلا أننا أيضاً لم نكترث بالشكل المطلوب، حتى عندما وجدنا بدائل للمواد البلاستيكية، رحنا للبحث عن حجج لعدم تقبلها، وأذكر أحد الأشخاص كان قد علق على تغيير شكل عبوات مياه الشرب البلاستيكية إلى معدنية، والتي استخدمت خلال فعاليات إكسبو، حيث قال إن طعم الماء اختلف عليه، وإن الماء في القوارير البلاستيكية أطيب مذاقاً وأجمل، وعند بدء استخدام الأكياس الورقية في الكثير من المطاعم، قال البعض إنها غير مناسبة وقد يسقط الطعام منها، وهذا ليس أمراً مفاجئاً أبداً، فنحن لم ولن نتقبل أي فكرة جديدة بسهولة، بل سنعارضها ونحاول الالتفاف عليها وإبراز عيوبها، قبل أن نفكر في حسناتها ومحاسنها، وهذا ديدن كل الناس في هذه الأرض تقريباً.
موضوع الرسوم المفروضة على الأكياس البلاستيكية أمرٌ نافعٌ للبيئة بشكلٍ مباشرٍ وفعلي، فالكثير منا وللأسف مستهترون جداً، ويكاد الواحد منا يشعر بثقلٍ كبيرٍ في حمل أبسط الأغراض عندما يذهب لشراء حاجياته من البقالة أو السوبرماركت، ومن دون وجود قرارات وفرض رسوم لتقنين مثل هذه السلوكيات الضارة، فلن يتحرك المجتمع طوعاً، ومثل هذا القرار أيضاً ربما يُفّتِح أعيننا على سلوكيات كثيرة نؤذي فيها نحن البيئة، ونُحمّل أجهزتنا المعنية تكاليف باهظة لمعالجة المشكلات البيئية، وإيجاد حلول لإعادة تدوير النفايات والتخلص منها بطرق صديقة للبيئة، حفاظاً على حياتنا وصحتنا وصحة أجيالنا المقبلة.
وللعلم فقط، فإن العالم ينتج سنوياً أكثر من 78 مليون طن من الأغلفة البلاستيكية بكلفة قرابة 198 مليار دولار، ولا يتم تدوير سوى نسبة ضئيلة من مخلفاتها، والتي تحتاج لعشرات السنوات لتتحلل، وهذا يؤكد لنا أمراً مهماً؛ هو حاجتنا للمزيد من القرارات لتقليل هذا الاستخدام.
هناك بعض الدول التي منعت استخدام الكثير من المواد البلاستيكية، مثل أنبوب «المصاصة» أو «سترو» العصير أو المشروبات، وبعض الدول منعت استخدام قوارير المياه أو المشروبات الغازية أو علب العصائر البلاستيكية، وربما نجد مثل هذه القرارات تطبق في دولتنا، حفاظاً على البيئة وسعياً لحث الشركات على إيجاد بدائل للبلاستيك، وتشجيعاً وإلزاماً للمجتمع بأن يضع في حسبانه موضوعات البيئة وقضاياها الحساسة، لذلك يجب أن نكون أكثر فاعلية مع مثل هذه القرارات، وأن نتعاطى معها بحرفية ومهنية، ونُعّلِم ونتعلم أن في مثل هذه القرارات فائدة لنا وللأجيال المقبلة.
نحن لم ولن نتقبل أي فكرة جديدة بسهولة.
محامٍ وكاتب إعلامي
twitter.com/dryalsharif
www.ysalc.ae
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.