يومُ العمل الإنساني في نظر الإسلام
مما يحسب للأمم المتحدة تخصيصها يوم 19 من أغسطس يوماً للاحتفاء بالعمل الإنساني للاعتراف بمجهودات العاملين في المجال الإنساني وأولئك الذين فقدوا حياتهم بسبب المساعدات الإنسانية لما في ذلك من الحث على فعل الخير للإنسان الذي لا يستغني عن أخيه الإنسان، فهو كما تقول النظرية الاجتماعية الخلدونية "مدنِيٌّ بالطبع" أي يفتقر لغيره كما يفتقر غيره إليه.
هذا العمل الذي نشأ عن منظمة أممية يتفق مع منهج الإسلام ودعوته العالمية للتعاون على البر والتقوى، ودعوته لعمل الخير، ودعوته لنفع البشرية جمعاء، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام في مثل هذا الموقف " شهدتُ حِلفاً في الجاهلية في دار ابن جُدعان لو دُعيتُ إليه اليوم لأجبتُ" وفي رواية أنه صلى الله عليه وآله وسم قال "شهدت مع عمومتي حلف المُطَيِّبين فما أحب أن لي حُمْر النَّعَم، وإني أنكُثه" والمعنى أنه سُرَّ بذلك لما فيه من التناصر والتآزر لنفع الناس، واللهُ جلَّ ذكره يأمر المؤمنين بمثل هذا العمل الخير النافع للبشرية فيقول { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} فأمر بفعل الخير ولم يبين محله ومستحقه ليعم كل حي من إنسان وحيوان، ذلك لأن الإسلام دين عالمي يحب البشرية ويدعو لحمايتها، فكلُّ ما فيه خير يمكن بذله لها تعين فعله على من يستطيع، ومن هنا نص الفقهاء على وجوب إنقاذ الغريق وإطفاء الحريق وإغاثة الملهوف وإشباع الجائع على سبيل الفرض الكفائي، فإن تركه الجميع أثموا جميعا إثم ترك الفرض، وهذا ما تدعو إليه المؤسسة الأممية التي جعلت لهذا العمل الخيري يوماً عالميا حتى يستشعر العالم أجمع هذا العمل الإنساني لاسيما مع ما يعانيه العالم من اضطرابات وكوارث متعددة ومختلفة، فلا يكاد يخلو بلد من الحاجة إلى مثل هذا العمل الإنساني، فالكلُّ إذا معنِيٌّ بالمشاركة الجادة في هذا العمل الإنساني النافع للإنسانية.
ونحن معاشر المسلمين نقوم بالأعمال الإنسانية تحقيقاً لمبدأ الإسلام السمح المتراحم، وابتغاءً لفضل الله ورحمته، فإن الله تعالى دعا عباده للمسارعة للخيرات ووعدهم جزيل الحسنات في الحياة وبعد الممات، لذلك فإننا ندعو المسلمين أن يبادروا بمثل هذه الأعمال كل بحسب استطاعته، لينال ثواب ربه وثناء الناس عليه.
ودولة الإمارات العربية المتحدة كانت من أوائل الدول مبادرة لعمل الإنساني قبل تخصيص الأمم المتحدة هذا اليوم عام 2009، فهي لم تكتف بالمشاركة الفاعلة في العمل الإنساني لكل من يحتاج إليه في العالم أجمع، بل خصصت يوما مستقلا للعمل الإنساني، وأسمته باسم رجل الإنسانية العظيم الشيخ زايد بن سلطان رحمه الله وطيب ثراه، وهو اليوم 19 من شهر رمضان في ذكرى وفاته؛ سنة 2004م
هذا الرجل الذي لم يترك مجالاً للعطاء وخدمة الإنسانية إلّا كانت له يد طُولى في نفعها، ما جعل اسمه محفوراً في ذاكرة وعقول الشعوب المختلفة، كما حملت اسمه العديد من المدن العمرانية والمشروعات الخدمية مُدناً ومدارس ومستشفيات وسدودا فضلا عن المساعدات العينية والإغاثية التي تقوم بها مؤسسة الشيخ زايد للأعمال الخيرية والإنسانية التي تأسست عام 1992م ومؤسسة الشيخ خليفة للأعمال الإنسانية التي تأسست عام 2007 م ومؤسسة محمد بن راشد للأعمال الخيرية والإنسانية التي أنشئت عام 1997م وغيرها من مؤسسات الشيوخ الحكام وأهل الخير للأعمال الإنسانية، وهيئة آل مكتوم الخيرية التي تأسست عام 1997م فضلا عن الهلال الأحمر الإماراتي الذي يصل إلى مختلف دول العالم، لاسيما الإغاثية منها عند المحن والكوارث.
لقد جعلت الإمارات يوم 19 من رمضان يوم عمل إنساني تخليداً لذكرى رجل الإنسانية زايد بن سلطان رحمه الله كأحد برامجها الحكومية، وشحذاً لهمم الشعب الإماراتي على السير نحو هذا العمل الإنساني النبيل، وهو ما تحقق فعلاً، فكم من أعمال إنسانية تقوم بها جمعيات النفع العام داخل الدولة وخارجها وهو الأكثر الأعم، فضلاً عن العمل الفردي الذي يقوم به الخيرون من أبناء الإمارات على اختلاف شرائحهم ومكاناتهم المادية.
اللهم وفقنا لعمل الخير وتقبله منا يا كريم.