أجيال بمرجعيات عالمية

كثيراً ما يخطر ببالي، وبالتأكيد يخطر ببال الكثيرين، ممن يفكرون في شكل مجتمعاتنا في المستقبل، كيف سيكون شكلها؟ وما مضامين هذا المجتمع؟ وما المرجعيات التي سيعتمد عليها في نهجه وتفكيره؟ خصوصاً أن العولمة قد وصلت حتى إلى معتقداتنا، وطريقة تفكيرنا، وقيمنا، وأخلاقنا، وتصرفاتنا، بإيجابياتها وسلبياتها، ولا أنوي تقييم الوضع أو الوصول إلى فكرة أو مضمون محدد، يعيّن الصواب أو الخطأ، إنما أريد تصوير مجتمعاتنا الإنسانية، بعد أن تداخلت المرجعيات، وأصبحت أكثر انفتاحاً، وكيف ستتشكل العقول في مقبل السنوات.

دخول الإنترنت، وكثرة السفر، والاطلاع على الثقافات المختلفة، وحتى دخول التعليم الأجنبي، وكثرة المداخيل، سواء من التلفاز أو الأفلام ووسائل التواصل أو الألعاب، وغيرها من الوسائل التي تُدخل على عقولنا وعقول أجيالنا معلومات وعبارات، جعلت الأمور متشابكة، ودعوني أتكلم عن نفسي، فأنا أجد في أحيان كثيرة أن هناك إرهاقاً كبيراً في فلترة الأمور، ما الجيد وما الصحيح وما الخطأ؟ ومع كثرة التكرار قد تتغير القناعات، فما أجده بالأمس خطأ قد أتقبله اليوم، ولو بدرجات معينة، هذا وأنا قادم من مرجعيات قيمها ثابتةٌ لا تتغير ولا تتبدل، ومحدودة المصادر، إن صح التعبير، فكيف لأجيال منفتحة على مصادر كثيرة ومتعددة، فمن أين سيخلقون هذا الفلتر لتقييم ما يصح وما يجب تجنبه، أجد في هذا الأمر مهمة صعبة جداً، إن لم تكن مستحيلة، فبالنسبة لهم المرجعيات عالمية، والتقييم مختلفٌ عن جيلنا.

رغم أن الأمر قد يبدو بديهياً، وذلك بأن يوازن عقلك الأمور، فيختار ما هو صحيح ويترك ما هو خطأ، إلا أن هذا الأمر قد يكون غير بديهي بالنسبة لأجيال منفتحة ومتنوعة المصادر، حتى وإن شعرت للحظة بأنك قد تفهم تطلعات أجيالنا المقبلة، وكيف سيوازنون الأمور في عقولهم، فاعلم بأنك بعيدٌ كثيراً عن فكرهم ومدارك نهجهم، فالمصادر مختلفة، والمرجعيات قد تبدلت بالكامل، فما كان مقياسك لتقييم الوضع بالأمس ليس ما هو عليه اليوم، ومع تشابك الأمور وتداخل بعضها ببعض، تزداد الأمور صعوبة.

ما أنوي الوصول إليه حقيقة؛ أننا اليوم مسؤولون عن إيجاد هذا الفلتر أو الوازع أكثر من مهمتنا في تقنين المصادر والمرجعيات، وأكثر أيضاً من مسؤوليتنا بتقييد الفكر أو تحجيمه أو حتى حصره، ولكم أن تتخيلوا كم من الصعب أن تراجع وراء جميع المصادر المتاحة لأجيالنا، فإن أغلقت المنافذ في وسيلة فلن تستطيع إغلاقها في وسيلة أخرى، ولهذا أجد أن مهمتنا الأساسية الحالية أن نوجد الفلترة أو المرجع أو الوازع الذي يُستند عليه لتقييم أي مدخول، سواء اخترت أن يكون الوازع دينياً أو أخلاقياً أو مجتمعياً أو وطنياً، فالمهم أن تجد هذا الفلتر، ولو خلطت بين المرجعيات لتخلق توازناً معيناً، لكن لا تدعوا عقول أجيالنا مفتوحةً بلا فلاتر تستطيع تمييز ما يصح وما لا يصح، فإذا انعدمت هذه الموازنة فتوقعوا أن يحدث أي شيء لأجيالنا ومجتمعاتنا.

twitter.com/dryalsharif

www.ysalc.ae 

محامٍ وكاتب إعلامي

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.  

الأكثر مشاركة