سنغافورة وأمن الأرز
ما الذي يجعل دولة كسنغافورة، التي لا تتجاوز مساحتها 730 كيلومتراً مربعاً ولا يتجاوز عدد سكانها 5.5 ملايين نسمة، ضمن أكبر 20 مُصدر للأرز، أو ما يُسمى في لهجتنا المحلية «العيش»، على الرغم من أنها لا تُنتج أياً منه؟
باستثناء إنتاجها لبعض أنواع الخضراوات والفواكه، تعتمد سنغافورة بشكل كبير على استيراد الغذاء لتحقيق أمنها الغذائي، وتقوم بتعزيز ذلك من خلال تنويع مصادر استيرادها لمختلف السلع الغذائية التي تقوم باستهلاكها محلياً. مثال على ذلك، قيام الجهة المختصّة في سنغافورة بطباعة ونشر صورة لقطعة من «السوشي» مع ذكر من أين يتم استيراد كل مكون من مكوناته أثناء أزمة «كوفيد-19» وما تسببت فيه الأزمة من تعطل وتأخير في سلاسل الإمداد، وذلك لطمأنة سكان الجزيرة.
مراد القول: «إن اعتماد سنغافورة على نظام التجارة العالمية للغذاء، من أجل أمنها الغذائي، يُحتّم عليها أن تجعل من نفسها مركزاً رئيساً على طريق التجارة العالمية للسلع ذات الأهمية الوطنية والعالمية».
فالأرز، مقارنة بالقمح وغيره من السلع الأساسية، هو من أقل السلع الغذائية الأساسية التي تتم تجارتها بين دول العالم، بحيث لا تتعدى نسبة ما يتم تصديره واستيراده 6% مما يتم إنتاجه.
بخلاف سنغافورة، تقوم الصين، وهي أكبر مُنتج للأرز في العالم، بإنتاج وتصدير واستيراد الأرز في آنٍ واحد. هذا لا يعني أن الصين غير قادرة على إنتاج ما يكفي حاجتها من دون الاعتماد على استيراد الأرز، إلا أنها تتعامل مع هذه السلعة الأساسية بناءً على ما تقتضيه الحاجة وعلى المتغيّرات العالمية التي تحدّد سعر السلعة في التصدير وكلفتها في الاستيراد.
في هذه الحالة، فإن الصين على يقين بأن كلفة إنتاج الأرز قد تعلو وتنخفض حسب ما يحصل في العالم، وأنها مهما حاولت فإنها لن تستطيع إنتاج الأرز بكلفة معقولة إذا ما أرادت تحقيق الاكتفاء الذاتي مع النمو المتصاعد لعدد السكان، وإن كان ذلك في الوقت الحالي فقط.
بدأت دولة الإمارات، أخيراً، تجربة مثيرة للاهتمام بإنتاج كميات محدودة من الأرز في منطقة الذيد.
التجربة لاتزال في مَهدها ولا يمكن الجزم حالياً بمستوى نجاحها أو إمكانية تحويلها من تجربة إلى قدرة إنتاجية عالية بكلفة معقولة ومقبولة.
ما يمكن الجزم به الآن من تجربة سنغافورة والصين هو أنه لا يوجد بديل من تسخير نظام التجارة العالمية لتحقيق وتعزيز الأمن الغذائي لدولة الإمارات، حتى مع نجاح الدولة في زراعة بعض السلع الأساسية كالأرز.
إن من شأن ما جعل سنغافورة تشغل، أخيراً، المركز الـ19 على مستوى العالم في تصدير الأرز مع عدم إنتاجها أياً منه، ما هو إلا دلالة على ما يُمكن تحقيقه بوضع الدولة نفسها على تقاطع سلاسل إمداد السلع الغذائية التي تحتاج إليها.
aj_alshaali@
Aj.alshaali@gmail.com
اقتصادي مختص في الأمن الغذائي
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.