«معاك فلس تسوى فلس»
«معاك فلس تسوى فلس»، كثيراً ما نسمع في حياتنا هذا المثل الشعبي، وكثيرةٌ هي المواقف التي نجد أن هذا المثل ينطبق عليها بشكل كامل، فهل فعلاً باتت قيمتنا الاجتماعية مرتبطة بما نملك من مال وعقارات وشركات وسيارات؟ أم أن هذا المثل ينطبق فقط على التعاملات التجارية بعيداً عن العلاقات الإنسانية؟ ولأنني اعتدت أن أصارحكم ولا أخجل من قول الحقيقة، فأقول: بالفعل أصبحت علاقاتنا مبنية على الفلس، أقصد على الملايين، يعني لو كانت حالتك «مصفرة»، وليس معك إلا درهم، فأنت أكيد لن تسوى في نظر أغلب الناس إلا درهماً، ليس بمنظوري أنا، فأنت تعلم يا عزيزي أنني أكن لك كل الاحترام، ولكن هذا بمنظور مجتمعي شامل، للأسف هكذا أصبحنا نُقيم علاقاتنا، ونبني صداقاتنا، ونختار شراكاتنا.
لقد أوضحت في مقالي السابق أننا في زمن التباهي، فحياتنا مبنية على التباهي، ولو كان على حساب استقرارنا وراحة بالنا، ولكوننا بتنا نقيس قيمتنا بمقدار أرصدتنا وحساباتنا البنكية، فكان لابد من أن تظهر علينا مظاهر التباهي، لنبني لأنفسنا صورة جميلة ومحبوبة ومحترمة ومقدرة أمام الآخرين، فنحن نعلم علم اليقين بأن جل المجتمع بات لا يُقدر إلا أصحاب المال والمناصب، وتناسينا مفاهيم أساسية قائمة على مبادئنا الأخلاقية والدينية، واستبدلنا كل هذا بمقياس المال، وإذا «معاك فلس تسوى فلس»، أو ربما هكذا علّمنا من سبقنا، فأصبح من الثوابت في عقولنا.
من أكبر المآخذ التي آخذها على الرأسمالية ونظامها الجشع أنها حوّلت جميع مفاهيمنا إلى المال، فبتنا تجار جشع في كل شيء، علاقاتنا وتصرفاتنا وردود أفعالنا، وحتى في تقييمنا لذاتنا ونجاحاتنا ومستوانا المعيشي، بل أكثر من ذلك، فقد بتنا نتفاوض على كل شيء من أجل المال، وأصبحنا على أتم الاستعداد لنقدم الغالي والنفيس من قيم وعادات وأخلاق ومبادئ، حتى ديننا لم يسلم من هذه المعادلة، لنخلق لأنفسنا تلك المكانة المرموقة بين المجتمع.
أنا لست ضد المال، فالمال نعمة، والشاطر من يثابر للحصول عليه، ويعيش براحة واستقرار مادي، ولكن الخطأ هو أن نحكم على أنفسنا وعلى الآخرين من منظور مادي بحت، وأن تنعدم فينا معايير الأخلاق والمكانة العلمية والثقافية مقابل المال وما نكنزه، وأن نبني علاقاتنا مع محيطنا على المصالح والمنافع، وأن نرسم خطوطنا لتكون مرتبطة بالمال، الذي من أجله نتخطى جميع الخطوط، ونتنازل عن جميع القيم. «معاك فلس تسوى فلس»، هناك في أسواق البورصة والتعاملات التجارية، وليس هنا بين العائلة والأصدقاء والمحيط الاجتماعي.
يجب أيضاً أن نترك مساحة لأنفسنا، فالركض وراء المال أتعبنا، وهدّ قوتنا، وجعلنا كالآلات بعيدين كل البعد عن متنفسنا وعلاقاتنا الأسرية، فمن ثقل حملنا لرسم مكانة اجتماعية مالية تليق بنا، بعنا الدنيا وما فيها من ملذات وجماليات وعلاقات، وكلامي ليس معناه أن لا نبحث عن المال ونجتهد في طلبه، بل يجب ألا ننظر إلى إنجازاتنا ولا قيمة من حولنا بمنظور مادي، يجعلنا نفقد قيمتنا الأساسية وروابطنا الإنسانية.
أنا لست ضد المال، فهو نعمة، والشاطر من يثابر للحصول عليه.
twitter.com/dryalsharif
www.ysalc.ae
محامٍ وكاتب إعلامي
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.