رفقاً بهم
يحفر الزمان خطوطه فوق جباههم، سعياً وصبراً ووجعاً، خطوطاً بعمق الألم، وكأنها عنوان لرحلة لم تكن أبداً هينة.. يضرب القدر بلا هوادة أمانهم وإحساسهم بالعزوة والأهل بفراق أحبتهم ورفقاء دربهم.
يدق الضعف أوتار قلوبهم وأرواحهم قبل أقدامهم، فيبحثون عن متكأ في صنيع معروف قدموه سلفاً في الأيام الخوالي، علّه يشفع لهم لشفاء مرض أو إجابة دعاء.
يتراجع إقبالهم على الحياة والناس، ويزيد ارتباطهم بالمكان الضيق الذي اعتادوه من حولهم حتى حفظوا تفاصيله، وإن خانهم البصر.
تصبح رنات الهاتف أنساً وحيداً في الليالي الموحشة، والسؤال عبر المسافات كافياً لجلب السعادة إلى النفس، ورسم الابتسامة، وإن جاءت بطعم المرّ.
يترقبون زيارة القريب والمسافر، ليسترجعوا بقدومه لمّة الودّ، وصخب الأحاديث الممتدة سهراً حتى الفجر، وتدبّ في عروقهم القوة، ويتجاهلون أوجاعهم لإعداد موائد عامرة للجميع بأطايب الطعام الذي يعلق مذاقه في الذاكرة قبل الحلق.
يحبون أن تظل بيوتهم مفتوحة كرماً وحسن ضيافة للغريب والقريب، ليشعروا بأن لحياتهم معنى ودوراً لم ينته بعد.
ترتعش أياديهم، ويخافون الوحدة، ويتوقعون البر والحب في الكلمات والأفعال، وينتظرون العون والسند، وإن منعتهم عزة النفس عن البوح بطلبه.
تمتد حبال وصالهم مع الله تعالى، فنجد نوره في وجوههم صلاةً وقياماً واتكالاً عليه وحده دون الخلق.
يدركون حقيقة الدنيا، فيزهدون في مباهجها، فلا يأبهون لشيء إلا لصنيعها في أهلها، ودروس الحكمة والاتعاظ من تقلبها.
إنهم كبار السن، آباء وأمهات، بركة البيوت، ومصابيحها المضيئة، والدعوات التي تفتح لها أبواب السماء، يؤذيهم منا الجفاء والخصام أكثر مما تؤذيهم أمراض السن وأوجاع الشيخوخة، وينتظرون العطاء المعنوي قبل المادي، ويأملون أن يحصدوا ما تعبوا لأجله وزرعوه فينا صغاراً.
كبار السن، ينظرون إلى أبنائهم على أنهم قوتهم وحمايتهم وأمانهم، لذا يقتلهم الخذلان والإهمال، وتدمي قلوبهم القطيعة.
تغيرت قيم المجتمعات كثيراً، لكن يبقى الدين وأوامر الله جل وعلا خط حمايتنا الأول من العقوق الذي يورث المرض والفقر، وينزع الرحمة من القلب.
بر الوالدين وودهما والحدب عليهما، خصوصاً في كبرهما ومرضهما، عبادة وطاعة لمن يفهمها، وأمر رباني جاء مباشرة بعد الأمر بعبادة الله وحده، لعظيم شأنهما في حياة كل منا.
فرفقاً بهم، ولندرك جميعاً أن الأيام سريعة الدوران، وهناك وقت ليس ببعيد حتماً سنتبادل فيه المقاعد والأدوار في الحياة، واختياراتنا اليوم هي ما سنكون عليه في القادم القريب.
هم بركة البيوت، ومصابيحها المضيئة، والدعوات التي تفتح لها أبواب السماء، يؤذيهم منا الجفاء والخصام أكثر مما تؤذيهم أمراض العمر.
@amalalmenshawi
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.