إذا كان للشَعر أن يتكلم.. فماذا سيقول
عندما كنت صبياً صغيراً كان أبي، رحمه الله، يأخذني للحلاق كل يوم خميس. لم أكن دائماً سعيداً بشعري القصير. كنت أشعر شعوراً غامضاً أنني أقل طاقة وذكاء بعد كل حلاقة. كنت أقول لنفسي: لو كان شَعري طويلاً يغطي شحمة الأذنين، لكنت ربما حصلت على الدرجات النهائية في كل الامتحانات. ولا أذكر جدلاً ثار مع الأهل في فترة المراهقة كالجدل حول طول الشعر وقصره.
والآن وبعد قراءاتي عن الشعر (بفتح الشين)، خلصت الى أنّ للشعر رمزية قوية في الثقافات المختلفة.
غالباً ما يُنظر إلى شعرنا على أنه انعكاس لهويتنا. «Bad hair day» عبارة سمعتها مراراً وأنا أقيم في الولايات المتحدة، وهي تعني يوم الشعر السيئ، ويمكن أن تكون مرادفاً لعبارة «كان يوماً سيئاً». عندما يكون شعر الشخص ناعماً أو مجعّداً أو جافاً أو عندما يشيب أو يتساقط، يمكن أن يؤثر ذلك بشكل كبير في نظرته لذاته. بالمقابل «يوم الشعر الجيد» يجعلك تشعر وكأنك تستطيع مواجهة العالم بثقة. والشعر ربما يرمز إلى المودة بين المتحابين، وربما يعتبر مصدر القوة الجسدية كما نرى في قصة شمشون الذي كانت قوته الهائلة مستمدة من شعره غير المقصوص. ووفقاً لعادات السيخ، يُعد الشعر نعمة إلهية، وهو شيء لا ينبغي تغييره، ويعتقد العديد من السيخ أن الحفاظ على شعرهم طويلاً يسمح لهم بإبعاد أذهانهم عن مظهرهم، والتركيز بشكل أكبر على التأمل وعمل الخير.
دعوني أسُق بعض الأمثلة للمعاني التي يرمز إليها الشَعر في عالم اليوم.
يمكن أن تعبّر قصّة (بفتح القاف) الشعر عما تشعر به، وأيضاً كيف ينظر إليك الآخرون. حتى تغيير لون شعرك يمكن أن يترك أثراً. ما أكثر المقالات على الإنترنت حول ما تقوله عنك التسريحة أو لون الشعر.
خلال العصر الفيكتوري، كان الشَعر الأشقر هو المفضّل. ارتبطت الخصل الذهبية بالشباب والجمال والمال، وحتى الهالة الملائكية. صوّر الناس وقتها الشعر البني على أنه يرمز الى النضج والذكاء. بينما كان يُنظر إلى الشعر المحمر على أنه جريء وعاطفي. لاتزال هذه الصور النمطية تُرى اليوم، حتى في وسائل الإعلام. في المرة القادمة التي تقوم فيها بتشغيل التلفزيون، ألقِ نظرة فاحصة على لون شعر مقدمات البرامج، وستجد أنك كونت عنهن انطباعاً معيناً.
وفي عام 1927 أطلق شوارزكومف أول شامبو سائل على الإطلاق في ألمانيا، ما جعل عملية غسل الشعر أسهل. كان يُنظر إلى الشعر الطويل على أنه رمز للأنوثة والصحة والوضع الاجتماعي والثروة، ويُظهر أنّ المرأة تأكل جيداً، وأنها تتمتع بوقت فراغ كافٍ لغسل شعرها وتصفيفه. ولكن الوضع تغيّر مع قصّ النساء الأوروبيات الضفائر إلى خصلات قصيرة. كانت رسالة تمرد اجتماعي وتحرر من الأعراف التقييدية. بدأت النساء في ممارسة استقلالهن والتعبير عنه من خلال شَعرهن.
ربما سمعت عن تقليد إعطاء خصلة شعر لمن تحب، خصوصاً في المجتمعات الأوروبية. قد لا يبدو الأمر رومانسياً الآن، لكنه كان يعتبر عربوناً للعاطفة. فكّر في الأمر تجد أنّ الشَعر لا يتحلل وبسبب هذا، كان الشَعر رمزاً للحياة الأبدية وتذكيراً بالفناء والخلود. كان إعطاء خصلة شعر لمن تحب علامة على الارتباط والإخلاص، خصوصاً قبل رحلة لفترة طويلة. كما اعتبرت الخصل المقطوعة من الموروثات، تُضفر أو تُربط بشريط، أو تُخاط في صفحات كتاب.
وفي 26 مارس من كل عام تحتفل أوروبا بعيد الشَعر الجيد. ولله في خلقه شؤون.
الشَعر لا يتحلل وبسبب هذا، كان الشعر رمزاً للحياة الأبدية وتذكيراً بالفناء والخلود.
باحث زائر في جامعة هارفارد