هبة النيل
أرض الكنانة مهد للتاريخ والحضارة، وعرفت بـ«هبة النيل»، حسب تسمية المؤرخ اليوناني، هيرودوت. ولمكانة مصر الراسخة في التاريخ، وللعلاقات الأخوية الاستثنائية مسببات ترسخت بمحاور عدة، أهمها رؤية الوالد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، الذي رأى في مصر، صمام أمان سياسي أمني في المنطقة، وقلب العروبة النابض، حيث خلّد التاريخ مقولته: «لا يمكن أن يكون للأمة العربية وجود، دون مصر، كما أن مصر لا يمكنها بأي حال أن تستغني عن الأمة العربية». وبالمنظور الأخوي نفسه، ينظر الأشقاء في مصر، لدولة الامارات بأنها الداعم الأول والسند الراسخ لمصر خصوصاً، وللأمة عموماً.
لقد أصبح التكامل الاقتصادي عنوان المرحلة، وتضمنت محاوره اتفاقية دعم البرنامج التنموي المصري عام 2013، وبموجبه قدمت دولة الإمارات 4.9 مليارات دولار، تلاها الإعلان عن حزمة دعم تزيد على أربعة مليارات دولار من جزأين (وديعة في المصرف المركزي المصري، ومشروعات متنوعة في قطاعات عدة)، وبلغ الدعم الإماراتي خلال عامي 2013 و2014 أكثر من 13.9 مليار دولار بمجالات حيوية عدة.
وجاء إطلاق منصة استثمارية استراتيجية مشتركة بين الإمارات ومصر بقيمة 20 مليار دولار عام 2019، لتنفيذ مشروعات حيوية في مجالات اقتصادية واجتماعية، ووجود ما يزيد على 1300 شركة إماراتية بمصر في مشروعات واستثمارات متنوعة، يعكس استدامة الشراكة والموقف الموحد إزاء التحديات العالمية والاقتصادية المتنامية، واستثمار مستدام لترسيخ مكانة مصر واستقرارها.
كما أن إطلاق منصة استثمارية صناعية استراتيجية مشتركة بين الإمارات ومصر والأردن، لتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة في خمسة مجالات صناعية واعدة تشمل: الزراعة والأغذية والأسمدة، الأدوية، المنسوجات، المعادن، والبتروكيماويات، عبر صندوق استثماري تديره شركة (القابضة ADQ) وبقيمة 10 مليارات دولار، تجسيد لرؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، بأهمية تعزيز التكامل الصناعي مع الدول العربية وبقية بلدان العالم، عبر تحقيق نقلة نوعية في القطاع الصناعي، ليكون رافعة أساسية للاقتصاد، وصمام أمان اجتماعي وسياسي للمنطقة.
ووصلت التجارة غير النفطية بين الإمارات ومصر خلال الفترة من (يناير – مايو 2022) إلى ما يزيد على 3.8 مليارات دولار (نحو 14 مليار درهم)، بنمو سنوي مستدام، وتأتي دولة الإمارات بالمرتبة الأولى بين دول العالم المستثمرة في مصر، وتقدر قيمة الاستثمارات الإماراتية في مصر خلال الفترة من عام 2013، حتى 2021، بنحو 59 مليار درهم. إن هذه المبادرات ستنوع الاقتصاد وتعززه، وستزيد مساهمة الصناعة في الناتج المحلي، وستسهم في تعزيز العلاقات عبر إطلاق مشروعات وصناعات حديثة. ولهذه العقيدة التكاملية والشراكة القوية، والفكر والمواقف السياسية الراسخة، بغض النظر عن الظروف والأحداث، آثار لم تنعكس فقط على الأمن القومي، بل عمقت أواصر الأخوة والموقف المشترك تجاه العديد من القضايا الدولية، وستسهم في تعزيز سلاسل الإمداد، خصوصاً في ما يتعلق بالأمن الغذائي الدوائي، وجذب الاستثمار، وتوفير فرص العمل للشباب.
ومع تنامي الشراكات الحكومية ومساعي التطوير الإداري، وتحقيق التميز المؤسسي الحكومي، ونقل أفضل الممارسات، سنرى قفزة تنموية مصاحبة للتطور المؤسسي والاقتصادي الصناعي، لتسهم في نمو العمق الاستراتيجي الأخوي للعلاقات والعقيدة التكاملية التنموية بين الأشقاء، يصاحبها تبني اقتصاد معرفي صناعي متقدم في مجالات كانت سابقاً غير مطروحة إقليمياً، ومنها تقنيات الطاقة المتجددة (التي سنرى بوادرها أثناء فعاليات COP-27 التي تستضيفها مصر بعد أيام معدودة)، والصناعات المبنية على المعرفة وتقنيات الثورة الصناعية الرابعة، والتقنيات المتقدمة والناشئة، والاقتصاد الرقمي، فمصر بوابة إفريقيا و«كنانة الله في أرضه»، والشراكة الحالية بوابة لاتحاد اقتصادي عربي كان يُرى أنه من المستحيلات التي عرفها العرب، لكن بعزيمة قائد المئوية، صاحب السمو رئيس الدولة، سترى النور مع الأخوة في مصر الشقيقة الكبرى.
«لا يمكن أن يكون للأمة العربية وجود، دون مصر، كما أن مصر لا يمكنها بأي حال أن تستغني عن الأمة العربية».
مستشار إداري وتحوّل رقمي وخبير تميّز مؤسسي معتمد
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.