لماذا هذا الاحتفاء الاستثنائي؟
قد يتساءل البعض: لماذا هذا الاحتفاء الاستثنائي من الجانبين، الإمارات ومصر، بمناسبة مرور 50 عاماً على العلاقات بين البلدين؟ ورغم بداهة السؤال بالنسبة إلى المراقبين من بعيد، إلّا أن قيادتَي البلدين وشعبيهما، لا يستغربان الأمر، ولذلك أسباب عدة، تدور جميعها في أفلاك الماضي والحاضر والمستقبل.
فالتأسيس القوي لهذه العلاقة، لم يأتِ من فراغ، لأن المغفور له، المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وهو بالمناسبة هبة الإمارات، كما النيل هبة مصر، أدرك بقلبه وعقله معاً، أن مصر ليست بلداً عابراً يمكن تجاوزه في أيّ من المستويات السياسية والثقافية والاقتصادية، بل هو حجر الرحى في منطقته، «مصر بالنسبة للعرب هي القلب»، فكانت مواقف المغفور له، في هذا السياق، شاهدة للعيان، وتطبيقاً عملياً لهذه القناعة الراسخة عبر محطات عدة، يشهد بها الجميع.
أما حاضر هذه العلاقة، فيعكس تجذّر علاقات البلدين، ودخولها فضاءات رحبة تتجاوز المفاهيم التقليدية في العلاقات الدبلوماسية بين الدول، بعدما شهدت دفعة قوية على أيدي قيادتَي البلدين، فالبلدان لديهما رؤى متطابقة حيال أهم الملفات والقضايا الإقليمية والدولية، ولعل أهم أعمدة هذه العلاقة امتلاك البلدين بصيرة ثاقبة، جنّبتهما، ومعهما العديد من دول المنطقة، سوء المآلات وبؤس الأوضاع الناجم عن فوضى التطرف والغلو، ومكّنتهما، بدلاً من ذلك، من إشاعة ثقافة جديدة مستنيرة وريادية وجريئة، تتخطى السياسات العقيمة التي سيطرت لسنوات، وجلبت إلى المنطقة الكثير من الويلات.
في حين يتراءى المستقبل لقيادتَي البلدين وشعبيهما بكل تفاؤل وثقة بأن القادم أفضل، والخير سيعم الجميع، فحالة الانسجام والتقارب في الرؤى تجاه غالبية الملفات والقضايا الإقليمية، تمكنهما من تأسيس نواة ذات ثقل، تؤسس لرؤية طموحة من أجل استقرار المنطقة، وضمان الأمن والسلم فيها، وتفكيك النزاعات المعرقلة للتنمية فيها.
ولعل تغريدة صاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، بهذه المناسبة، قد جسّدت الأبعاد الثلاثة للعلاقة بين البلدين، الماضي والحاضر والمستقبل، حين قال: «احتفاء الإمارات ومصر بالذكرى الـ50 لإقامة العلاقات بينهما، تأكيد لعمق الروابط الأخوية بين البلدين وشعبيهما، منذ عهد الشيخ زايد، رحمه الله.. الإمارات ومصر عنصر استقرار إقليمي، ونموذج للعلاقات بين الأشقاء.. وبالتعاون مع أخي عبدالفتاح السيسي، ستمضي علاقاتنا دائماً إلى الأفضل».
حاجة البلدين والمنطقة إلى استمرار هذه العلاقات المستقرة أمر في غاية الأهمية بالنسبة لمستقبل الأجيال القادمة، ولمصير العمل العربي المشترك في السنوات المقبلة، ونحن على ثقة بأن هذا المستوى الرفيع من العلاقات سيظل نموذجاً للمستقبل، وهو ما أكده صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، حين قال: «تحتفل الإمارات في مصر بخمسين عاماً من العلاقات الأخوية.. المستقرة.. المتطورة.. نحتفل ونحتفي أيضاً ببداية خمسين عاماً جديدة أيضاً بقيادة أخي الرئيس عبدالفتاح السيسي، وأخي محمد بن زايد، رئيس الدولة، حفظه الله.. مصر والإمارات قلب واحد». وهو الأمر الذي أكده أيضاً الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، فإن «الشعبين المصري والإماراتي دائماً على قلب رجل واحد».
لعل أكثر ما لفت انتباه المحتفلين بهذه المناسبة بالقاهرة، هو التأكيد على دور مصر في التكوين الفكري والثقافي للإماراتي، ما يعني أن الاحتفاء بالمناسبة لا يقتصر على الجوانب السياسية والاستراتيجية على أهميتها، بل يتعدى ذلك إلى العلاقات الثقافية التي تسبق أي علاقة بين الدول، وتجعلها أكثر ديمومة وتأثيراً، والأيام شواهد.
@MunaBusamra
Muna.busamra@emaratalyoum.com
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.