الاتكالية فن من فنون عصرنا
للأسف أصبح أغلبنا اتكالياً في هذه الحياة في ما يخص العديد من الأشياء في حياتنا اليومية، فبات كل شخص منّا يريد من يقوم بخدمته وتلبية طلباته، وكأنه صار لدينا شعور بعدم القدرة على إنجاز المهام بأنفسنا بل إننا لم نعد نحاول من الأساس، فإذا تعطل شيء في المنزل نقوم بالاتصال على الفور بعمال الصيانة وإن كان الموضوع لا يحتاج سوى فك وتركيب «برغيين»، وإذا احتجنا إلى شيء سارعنا لطلبه «ديليفري» من «السوبرماركت» الذي يبعد خطوات عن منزلنا، أيضاً لم نعد نطلب من أولادنا أن يساعدونا في قضاء حوائجنا، وكيف سنقوم بذلك وأولادنا أو أجيالنا ينطبق عليهم المثل المصري القائل «جبتك يا عبد المعين تعيني طلعت يا عبد المعين عاوز تنعان»؟! فهم يحتاجون إلى من يخدمهم ويلبي طلباتهم ويجلب لهم كل شيء وهم جالسون في أماكنهم حتى شربة الماء (إلا من رحم ربي).
وهنا يمكن أن يقول أحد بأن هذه مميزات أنعم الله علينا بها، فما الضرر أو المانع من استغلالها في حياتنا؟!! وهذه وجهة نظر سليمة لا أعارضها ولكنني أنتقدها فقط لا غير، فهي تعتبر سلاحاً ذا حدين، وعلى الرغم من وجود العديد من الإيجابيات فيها، إلا أنها تعتبر نقمة في جوانب أخرى، ولها الكثير من المساوئ التي قد تؤثر على تفاعلاتنا في حياتنا اليومية ومع الآخرين، فمن شدة اتكالنا على التكنولوجيا والعمالة المساعدة أو عمال التوصيل والتحميل ظهر فينا الكثير من الأمراض بسبب قلة الحركة، فصرنا نتسم بالكسل والخمول ونشعر بالتعب عند القيام بأبسط الأنشطة، وإن قررنا الذهاب لشراء بعض الأغراض، نذهب متثاقلين ولا نريد الترجل من سياراتنا ونريد من يخدمنا ويقدم لنا الأكل والشرب ويوصله لنا ونحن نجلس بلا حراك، وعندما نصل إلى المنزل، نريد من يحمل لنا الأغراض إلى الداخل ويقوم بترتيبها وصفّها وضبطها، وربما يجد البعض أن هذا امتياز لنا، ولكن أن تتحوّل الامتيازات إلى أسلوب حياة، فهنا تكون المشكلة وهنا أجد الخطورة.
لك أن تتخيل عزيزي القارئ أننا فقدنا الكثير من مهاراتنا الحياتية بسبب الاتكالية، فلم نعد نعرف كيف نُصلح «لمبة» تعطلت في المنزل، ولا طريقة الاهتمام بالزرع والورد، أو غسل السيارات وترتيب الملابس، ونحن لا ندرك أن هذه الأنشطة البسيطة قد تكون سبباً في تفريغ طاقة مكبوتة أو تساعد في الشعور بالانتماء لمنازلنا وممتلكاتنا وعالمنا ومحيطنا، فالاتكالية لا تقتصر على الأسرة والبيت أو المحيط الاجتماعي فقط، بل تعدى الأمر ووصل لعلاقتنا مع وطننا ووطنيتنا، فما هي إلا بداية حتى نجد جيلاً متكلاً اتكالاً كاملاً على أهله في تلبيسه وخدمته وإطعامه وجعل كل شيء حاضراً مجاباً أمامه، وغداً سيصبح متكلاً على الحكومة في تلبية رغباته واحتياجاته دون أن يدرك بأن عليه العطاء ليصل لمبتغاه، وأن الجهد الذي نبذله لنصل لأهدافنا هو أجمل إحساس قد نشعر به في حياتنا، ولكن أن نحصل على كل شيء بسهولة وبساطة، فهذه الميزة هي التي أفقدتنا الكثير من المشاعر والامتنان لأنفسنا وللآخرين.
ولأن معظم أجيالنا أصبحوا اتكاليين على أهاليهم، لم يعودوا يشعرون بما يقدمه أهلهم من أجلهم، فباتوا غير مستعدين أن يقولوا كلمة (شكراً) ولو جلبت لهم مال قارون، ففي اعتقادهم بأنه واجب عليك أداؤه، وأنك كعائل للأسرة ملزم بتقديم كل شيء لهم وأنه ليس تفضلاً ولا كرماً منك وحباً فيهم، وهذه مسألة خطيرة جعلت أجيالنا تفقد الامتنان لمن يقدم لها المساعدة ويخدمها، فنجد الكثير منهم يتعالون على هؤلاء الأشخاص ويرسمونهم في قوالب مغالطة ومسيئة، وكل ذلك بسبب الاتكالية التي عودناهم وعودنا أنفسنا عليها، وسمات هذه الظاهرة كثيرة للغاية لا يسعنا ذكرها في هذا المقال، وإنما أردنا أن نضع علامة استفهام على تصرفات نقوم بفعلها كل يوم، فلنجرب أن نبدلها ونرى ما إذا أفقدتنا الكثير من المتعة أم زادتها.
twitter.com/dryalsharif
www.ysalc.ae
محامٍ وكاتب إعلامي
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.