كن سيّد قرارك
تحدثت في مقالي السابق عن الاتكالية وكونها أصبحت فناً من فنون عصرنا، وهو ما دفعني بالتالي للتحدث في هذا المقال عن نعمة التحكم في قرارات حياتنا والسبيل للفوز بها، فالشيخ/ محمد متولي الشعراوي، رحمه الله، يقول: «من لم يملك ضربة فأسه، لا يملك قرار رأسه»، وأنا شخصياً لا أستطيع أن أتفق معه في الرأي أكثر من ذلك.
فكيف يمكن للشخص أن يقوم باتخاذ قرارٍ في حياته وهو لا يملك قوت يومه؟ كيف تتحكم كإنسان بحياتك وأنت لا تتحكم في مصدر دخلك ومصاريفك الشخصية؟ كيف تكون قادراً على أن تقول سوف أفعل هذا... أو لن أفعل ذاك، وأنت معتمد على شخصٍ آخر يقوم بتوفير المأكل والمشرب والملبس والمسكن لك؟ كيف يمكن أن تتمتع برفاهية الاستقلالية في مسار حياتك وأنت غير قادر على توفير الأساسيات اللازمة لمعيشتك ويقوم شخص آخر بفعل ذلك بالنيابة عنك؟
بالطبع لا، لن تستطيع، والله، عز وجل، يقول في كتابه العزيز: «الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ»، فالإنفاق يعتبر سبباً أساسياً من أسباب قوامة الرجل، فكيف تكون اليوم رجلاً مسؤولاً عن حياتك وتنشد الاستقلالية بها وأنت معتمد على أهلك أو على مصدر آخر لجلب رزقك غير نفسك؟!
وهو أيضاً ما تحدثت عنه في مقال سابق، فكونك شاباً في مقتبل حياتك تعتمد على أهلك أن يقوموا ببناء حياتك بدلاً عنك وأن يوفروا لك كل شيء، هذا سوف يعطيهم الحق الأكبر في التحكم بمصيرك وقراراتك إلى حد كبير، من تتزوج، متى تسافر، أين تخرج، وما المبلغ الذي يجب عليك إنفاقه خلال اليوم أو الشهر... ولكن إن كان عملك هو مصدر دخلك الأساسي، فذلك سيعطيك الحق في اتخاذ العديد من القرارات عن نفسك بدلاً من فعل الآخرين لها نيابةً عنك والتحكم بك.
مثال آخر، إن كنت موظفاً في مكان عملٍ ما، تعمل باجتهاد ولكنك غير مميز بشيء، فإنه يمكن استبدالك بسهولة، بمعنى أصح، سوف تشعر دائماً أنك خاضع لسلطة صاحب العمل، سواء عاملك بطريقة جيدة أو أهانك أو عاملك بشكل متسلط، خصم منك أو لم يعطك الزيادة المتفق عليها سنوياً، سوف تشعر أنك أسير سجن هذا العمل، وبالتالي وبعد فترة، لن تنتج أو تتطور أو تعطي العمل المطلوب منك على النحو الأمثل، سوف يكون مثلما يقول إخواننا المصريون «تقضية واجب والسلام» والسبب الرئيس في ذلك هو أنك تعلم من الداخل أنك غير مميز، وأن ما تفعله يقوم بفعله الكثير من الموظفين وربما برواتب أقل وبفاعلية أكبر.
وحل هذه المشكلة يكمن بداخلك أنت، أن تقوم بالعمل على نفسك دائماً والتطوير منها وإنجاز أعمالك على أكمل وجه بأقصى سرعة وبطريقتك الخاصة التي تميزك عن زملائك وأقرانك أمام صاحب العمل.
نهاية القول، أنك لو قرأت وتمعنت جيداً واطلعت على الأمثلة المضروبة بالمقال، ستجد أن كل شيء بيدك، وأمامك خياران بالحياة لا ثالث لهما، الأول أنه يمكنك الانصياع والخضوع والاستسلام للآخرين ورغباتهم وتحكماتهم بك مدى الحياة، أو أن تمسك بزمام أمورك وتخطو خطوة شجاعة إلى الأمام وتقرر من اليوم أنك لن تدع أحداً يتحكم بك بأي شكلٍ من الأشكال مهما كانت سلطته أو سطوته عليك، وأنك سوف تفعل كل شيء لتكون «سيّد قرارك».
محامٍ وكاتب إعلامي
twitter.com/dryalsharif
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.