عولمةُ الحرب وعالميةُ السلام
ستظل دولة الإمارات العربية المتحدة دائبةَ السعي لإحلال السلام في العالم، لإيمانها بأن السلام هو بغية كل إنسان سليم العقل، بعيد النظر لمصالح البشر؛ لأنها دولة محبة للسلام الذي هو أساس النمو والتطور والسعادة البشرية في الدنيا، وقد قامت الدولة منذ تأسيسها على هذا المعنى الأخلاقي العظيم، وهو ما عبر عنه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، رئيس الدولة، حفظه الله، في أول خطاب له عند توليه مقاليد الحكم، حيث قال: «ستظلّ سياسة دولة الإمارات، داعمةً للسلام والاستقرار في منطقتنا والعالم، وعوناً للشقيق والصديق، وداعيةً إلى الحكمة والتعاون من أجل خير البشرية وتقدّمها، وسنستمر في نهجنا الراسخ في تعزيز جسور الشراكة والحوار والعلاقات الفاعلة والمتوازنة، القائمة على الثقة والمصداقية والاحترام المتبادل مع دول العالم؛ لتحقيق الاستقرار والازدهار للجميع».
ومن أجل هذا المعنى الإنساني الراقي أنشأت الدولة – رعاها الله - مؤسساتٍ لعالمية السلام، لتحل محل عولمة الحرب التي ترعاها جهات تتجر بدماء البشر لتحقيق مكاسب تجارية، غير مبالية بالإنسان ولا بالبيت الإنساني الذي يجمع أبناء البشر بين أرجائه، غير مبالية بإفساد المناخ، ولا تهتم بتحقيق التنمية المستدامة، ومن أهم هذه المؤسسات منتدى تعزيز السلم الذي انطلق من العاصمة أبوظبي، ليجوب الآفاق ناشراً راية السلام، ومقدماً غصن الزيتون للإنسان، وها هو يقيم مؤتمره السابع برعاية كريمة من سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي - حفظه الله تعالى - برئاسة معالي الشيخ عبدالله بن بيه، رئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي، ورئيس منتدى أبوظبي للسلم، تحت عنوان «عولمة الحرب وعالمية السلام: المقتضيات والشراكات».
إن السلام الذي ينشده الإنسان المغلوب على أمره هو الذي يدعو إليه الإسلام، ويبلغه رجاله الأخيار، وهو الذي تحتاجه البشرية ويحتاجه كوكبنا الأرضي، وها هي دولة السلام ورجال السلام قد اجتمعوا في عاصمة السلام، ليبلغوا رسالات الله للناس أجمعين، أنه لا بديل عن السلام العالمي الذي دعا إليه ربنا القائل: ﴿وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ﴾، والقائل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾، فالكافة التي أرادها المولى شاملة كل من تتأتى مخاطبته من إنس أو جان، ومعنى ادخلوا أي في متطلباته من تبادل الثقة ووضع العهود والمواثيق والالتزام بها، ثم لم يكتف هذا الخطاب القرآني بالأمر المقتضي للوجوب؛ بل ذيَّله بالتحذير ممن يشعل الحروب ويدمر السلام، وهو الشيطان الرجيم الذي هو عدو الإنسانية كلها، والذي أخذ على نفسه العهد على التحريش بين بني البشر، ليكونوا شركاءه في المصير في نار السعير، فيحذرنا المولى منه؛ لئلا تغتر الأمم بضلاله وإضلاله، غير أن دعاة الحرب لا يسمعون مثل هذا النداء، وإذا سمعوا لا يفقهون، فكان لابد من تذكيرهم من منابر الهداية بالسلام الذي ينفعهم ويعمر الأرض ويخدم البشرية.
إن استمرار تجار الحروب باسترخاص الدماء وهدر الطاقات والإفساد في الأرض، لابد أن يقابل بدعوات المخلصين بأهمية السلام والإخاء الإنساني، وأن الحروب لا تحقق مكسباً سياسياً ولا سيادياً، فإن الأرض قد جعلها الله تعالى للأنام، وهي كافية لبني البشر، فهي بساطهم، وهي كفاتهم، وفيها أقواتهم، فلا حاجة للتناحر والتفاني.
إن نداء منتدى أبوظبي للسلم يجلجل في الآفاق بالدعوة بالحكمة للسلام، فلابد أن يسمع من به صمم، فيذعن لداعي الله وداعي العقل وداعي الأرض فضلاً عن داعي الإنسانية.
فقد أسمعت – يا منتدانا - لو ناديت حياً...
السلام الذي ينشده الإنسان المغلوب على أمره هو الذي يدعو إليه الإسلام، ويبلغه رجاله الأخيار، وهو الذي تحتاجه البشرية، ويحتاجه كوكبنا الأرضي.
«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.