كُل «مارمايت» واهدأ
كان للعالم والمفكر الكبير إدوارد دي بونو، صاحب نظرية قبعات التفكير ومؤسس أسلوب التفكير الجانبي؛ منظور فريد في حل المشكلات، والنظر إليها من زاوية لا يفكر فيها أحد، والتي قد تبدو أحياناً غريبة أو غير منطقية، لكنها كانت فعالة وناجحة في معظم الأحوال إن لم يكن كلها، لذلك استعانت به عشرات الحكومات من دول العالم لإيجاد حلول لمشكلات مستعصية، لدرجة أن بعض الحكومات الإفريقية كانت تستعين به لحل النزاعات وقضايا الثأر بين القبائل، وقد شرفت بالتعامل معه عن قرب، وعندما حدثت أزمة السفينة التي علقت في قناة السويس أردت أن أرسل له لعله يأتي بحل إبداعي، لكنه كان في أيامه الأخيرة ولم يسمح له الأطباء بالحديث أو التواصل. تذكرته وأنا أرى الخلافات الشديدة والمشاحنات والتوتر على قنوات التواصل الاجتماعي عندما يحدث خلاف في الرأي، فالكل يتبارى للرد بأقسى العبارات، ويصل الأمر لمحاولة الاغتيال المعنوي للطرف الآخر وتشويه صورته لمجرد أنهم مختلفون في الرأي، وقد يطال الخلاف أفراد عائلة الضحية، وربما يمتد لتشويه صورة أجداده ونعتهم بأسوأ الصفات والألقاب.
ما علاقة ذلك بإدوارد دي بونو؟ العلاقة مباشرة جداً، فقد لمس دي بونو هذه المشكلة في الشرق الأوسط بصفة عامة، ولاحظ أن سكان الشرق الأوسط يأكلون كميات كبيرة من الخبز، وأن الخبز في منطقتنا خالٍ من الخميرة التي هي مصدر أساسي للزنك، وأنه من دون الكميات الكافية من عنصر الزنك يميل الشخص للعصبية والتوتر والانفعال الزائد، لذلك أقترح أن نكثر من تناول الزنك، وأن الحل العملي هو أكل «المارمايت»، وهي منتج غذائي يتناوله الكثير من الإنجليز، وهو اختراع بريطاني تنتجه شركة يونيليفر من الخميرة، ويمكن تناوله في السندوتشات أو استخدامه في الطهي. لقد تقدم دي بونو في عام 2000 باقتراح رسمي لوزارة الخارجية البريطانية لإرسال كميات من المارمايت إلى منطقة الشرق الأوسط.
لا أدري إن كانت نظرية دي بونو صحيحة أم لا، لكني أرى بوضوح حالة التوتر والتشنج الدائمة في أي نقاش أو أي خلاف يحدث بين الناس، سواء بين الأزواج أو حتى الأغراب في الشارع، لدرجة أن خلافاً بين سائقين على الطريق من السهل أن يؤدي لجريمة قتل. لا توجد موضوعية ولا تروٍّ في النقاش. لا يوجد تحكيم لصوت العقل، ويغيب التسامح والود، ويصبح همّ كل طرف هو إثبات خطأ الطرف الآخر، وإن أمكن فضحه وكسره على الملأ. إن النقاش أو الخلاف حول موضوع ما من النادر أن يغير الوضع الحالي، خصوصاً الخلافات التي تحدث بسبب الكرة أو وجهات النظر السياسية. لن تغير تلك المشاحنات أي شيء، فالكرة مجرد لعبة مثل بقية الألعاب، والسياسة لها قواعدها التي تتغير وفقاً لأبعاد ومتطلبات لا يدرك الشخص العادي أبعادها. أتمنى أن يتم إدخال مساق في مناهجنا الدراسية لكل المراحل يغرس في الطلاب السلوكيات الحميدة والموضوعية وكيفية الاختلاف واحترام الآخر والتسامح. ربما يكون هناك شيء من هذا القبيل، لكنه بالتأكيد غير فعال وإلا لما كان الوضع على ما هو عليه الآن. @Alaa_Garad
Garad@alaagarad.com
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.