جدلية الإعلانات
الإعلان صناعة ضخمة تحقق مكاسب مهولة، لكن الرسالة المتضمنة به لا تقل أهمية عن المحتوى الإعلامي، فالدقيقة الإعلانية قد تكون هادفة ومؤثرة، وقد تكون مضللة ومسيئة، لهذا نجد أن التنظيم الإعلاني غالباً ما يندرج ضمن التنظيم الإعلامي، رغم التطور والتعدد المتزايد في منصات التسويق من قنوات تلفاز تخصصية، إلى مشهد مؤثر أو مبهر في فيلم سينمائي، إلى مقطع «تيك توك»، يدر الملايين أو صورة في «إنستغرام».
لقد كانت إحدى أكثر الجدليات السينمائية تتعلق باستغلال الأطفال في صناعة السينما، ولعل فيلم «البحيرة الزرقاء» السينمائي الشهير، من أوائل الأفلام التي فجّرت قضية استغلال الأطفال في السينما، والذي امتنعت الرقابة عن عرضه بجزئيه، لكننا اليوم سنطرح جدلية متجددة، هي صناعة الإعلان.
بعد احتجاج عام ومشحون عاطفياً ومبرر أخلاقياً، اعتذرت ماركة إسبانية شهيرة تستحوذ عليها شركة فرنسية عالمية عن محتوى إعلاني مثير للاشمئزاز يستغل الأطفال، وبصورة غير مسبوقة، حيث أثارت ردود الفعل العالمية التي تنوعت من دعوات لمقاطعة منتجات الشركة إلى تهديد المصور بالقتل، دهشة من البعض الذين يسعون بخبث ودهاء لـ«تنميل» المشاعر وتقبل الاستغلال المبطن والصريح للأطفال، وبينت أن الأثر الفوري لدعوات المقاطعة المبنية على الوازع الأخلاقي رادع لكسر أنف كبرى الشركات العالمية، للعودة للمنطق والالتزام بالمعايير الأخلاقية التي يسنها المجتمع.
فاستمرار الطرح الصريح من الأفراد لردع الشرور والانهيار اللأخلاقي، لا التجاهل المتوقع، بيّن أن صوت المتعامل يحدث فرقاً كبيراً، وهنا كان الفرق أخلاقياً وبامتياز، فهناك غالبية عظمى في المجتمعات الغربية لا تقبل أن يصل الانحطاط بوضع أطفال مع ألعاب جنسية في إطار إعلاني واحد، وبتشويه لعب الأطفال كالدببة المحشوة عبر وضع أطواق وملابس ترمز للعبودية، الهيمنة والخضوع، السادية، الماسوشية.
هل كان على المصور واجب أخلاقي لرفض المحتوى المطلوب تصويره؟ بكل تأكيد. هل على الشركة المنتجة وأهل الأطفال وممثليهم القانونيين مساءلة جنائية لما صدر عنهم من تشويه وإيحاءات مسيئة ضد أطفالهم؟ قطعاً. هل على المعنيين في الشركة المعلنة لمنتجاتها أي مسؤولية؟ من دون شك أو جدال. وبغض النظر عن ذلك كله، إن ما يحدث يدفعنا لأن نتساءل: إلى أين تسير البوصلة الإعلانية في محتواها؟ وهل سنرى أنماط أكثر اشمئزازاً وانحطاطاً؟
إن هذا الإعلان وغيره يدفعنا لأن نأمل بإجراءات استباقية، ومبادرات تشمل تعهدات وتوعية قانونية بتبعات نشر أو إنتاج وتوثيق محتوى مسيء لديننا وقيمنا وعاداتنا، والتوعية بأن ارتداء ألوان الشذوذ جريمة يعاقب عليها القانون (التي شوهت قوس قزح وحذفت أحد ألوانه، ليبقى قوس قزح رمزاً للخير والمطر والرخاء بألوانه السبعة).
إن ما يحدث من حرب إعلامية أثناء بطولة رياضية دولية، لمسخها وتحويلها من منصة رياضية عالمية إلى منصة سياسية لتسويق الشذوذ، مقروناً بما تم في حملة الإعلانات الأخيرة لماركة عالمية، يدفعنا نحو التنويه لأهمية التحذير من أن الغلو في مطالبة بعض الجهات وتسويقها لكل ما هو منحرف، سيتبعه اتخاذ إجراءات رادعة، لن يقتصر على تحذير أو مطالبة بحذف إعلانات البيع في منصات تجارية عالمية، لكن سيكون مصحوباً بغرامات بملايين الدراهم، وإجراءات قانونية على الأفراد المعنيين، ويشمل ذلك من يتفاخر بتشغيل المجاهرين بالشذوذ، أو المسوقين للاستغلال الجنسي للأطفال، مع تشجيع حملات المقاطعة الجماهيرية لردع الشركات المنحرفة الداعمة لهذه الأجندات المنحرفة البغيضة.
مستشار إداري وتحوّل رقمي وخبير تميز مؤسسي معتمد
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.