الثلاثون من نوفمبر.. يوم للعطاء والوفاء
للشهيد مكانة استثنائية على مر التاريخ ولدى كافة الحضارات والأمم والشعوب على وجه الأرض، وفي الإمارات، حيث يعلو الوفاء وتتعاظم قيم العطاء، وينبت الخير في كل شبر من أرض وطن معطاء، للشهداء مكانة لا تضاهى، وتقدير وطني عميق، لأنهم شهداء وطن يعرف للإنسان قدره وقيمته، ويضع أبناءه في مقلة عينيه، وصدارة اهتماماته.
إن يوم الثلاثين من نوفمبر من كل عام، ليس ذكرى نحياها في هذا اليوم بل نحيا بها في كل يوم، فيوم الشهيد ليس ككل يوم، أو أي يوم، بل هو يوم الاحتفاء بمن ردوا الجميل للإمارات، وذادوا عن رايتها وقيمها ومبادئها وضربوا لنا أروع الأمثلة، وأضاؤوا لنا الدروب، وارتقوا إلى سلم المجد بما قدموا من تضحيات عظيمة ودروس عميقة ستبقى أبد الدهر خالدة في صفحات تاريخنا الوطني.
ليس هناك وطن يفخر ويعتز بشهدائه كما تعتز الإمارات، قيادة وشعباً، وليس هناك وطن يعرف قيمة الوفاء والتضحية كما تعرف الإمارات، التي كانت مثل هذه القيم وغيرها أساساً لبنيانها الذي تأسس على قيم إنسانية وحضارية نبيلة، عرف القادة المؤسسون أنها عماد البناء وركيزة للقوة الناعمة للدولة الفتية الناشئة وقتذاك.
وكما قال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ فإن أكبر تكريم للشهيد «هو إنجاز المهمة التي استشهدوا من أجلها وهي مهمتنا جميعاً أن تبقى الإمارات عزيزة شامخة رايتها عالية خفاقة، وسوف نمضي بكل قوة وعزيمة في طريق العلو والمجد طريق العزة والتقدم والازدهار»، وسيبقى شهداء الوطن جميعاً حاضرين في قلوب أبناء الوطن جميعاً، وستبقى ذكراهم ماثلة أمام أعيننا نستمد منها العزم والإرادة.
شهداء الإمارات هم قدوتنا سنبقى نُعلّم قصصهم لأبنائنا وأجيالنا، فالأوطان تبنى وترتقي للمجد بمثل هؤلاء الأبطال وبمثل تلك البطولات والتضحيات، ولا يخلو تاريخ أمة عظيمة من قصص أبطال شجعان كانوا مشاعل النور في رحلة صعود هذه الأمم إلى قمة سلم الحضارة والرقي الإنساني. وإذا كان القائد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، قد غرس في أبناء شعبه جميعاً قيم الولاء والانتماء وحب هذه الأرض، فإن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ قد غرس فينا قيمة الحفاظ على هذه القيم والمبادئ حين صار سموه نموذجاً لها وقدوة في التمسك بها، حتى صارت الإمارات والقيم الإنسانية النبيلة وجهين لعملة واحدة، فلا تذكر القيم والمبادئ إلا وتذكر الإمارات، ولا تذكر الإمارات إلا ويُشار للقيم والمبادئ التي باتت جزءاً منا ونحن جزءاً منها. حصاد هذا الوفاء النادر والعطاء الإنساني السخي تجلى في أروع معانيه ونماذجه في عطاء شهداء الإمارات الأبرار، في ساحات الواجب والدفاع عن الحق وإغاثة الملهوفين ونصرة المظلومين، حيث قدم شهداء الوطن أرواحهم فداء لكل القيم والمبادئ التي يؤمن بها شعبنا الكريم.
إن يوم الثلاثين من نوفمبر ينطوي على معانٍ ودلالات عميقة، فنحن لا نتحدث عن ذكريات بل عن بطولات تعيش في وجداننا نمضي بها وتمضي بنا، وتبقى في كل الأحوال رمزاً خالداً لقوة لُحمتنا الوطنية وانصهارنا الإنساني وقدرتنا على إعلاء حب الوطن والتضحية من أجله فوق كل أولوية مهما كانت درجة إلحاحها وأهميتها. ملاحم البطولة التي صاغها شهداء الإمارات ودماؤهم العطرة الذكية، هي أيقونات توحّد قلوبنا ومشاعرنا، كباراً وصغاراً، رجالاً ونساء، قيادة وشعباً، حتى تحوّل يوم الشهيد إلى يوم للعطاء والوفاء يعكس قوة وحدتنا ووحدة قوتنا، ويجسد روح الإمارات التي تسري في وجداننا، بل في شوارعنا ومدننا وبيوتنا جميعاً.
كاتب وإعلامي إماراتي
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.