دموع رونالدو وعبرة السنين
مئات الملايين من المشاهدات حصدها مقطع بكاء اللاعب كريستيانو رونالدو، بسبب خروجه من مونديال كأس العالم (قطر 2022)، بعد أن تعرض المنتخب البرتغالي لخسارة تاريخية على يد «أسود الأطلس»، المنتخب العربي المغربي، الذي مازال يحقق إنجازات عظيمة في هذه البطولة، وقبل البدء بطرحي في هذا المقال، أحب أن أبارك للمنتخب المغربي الإنجازات التاريخية التي يقوم بها، والتي نأمل أن تستمر حتى النهاية، وتحقيق اللقب، لمَ لا مادام الحلم مشروعاً وحقاً لنا نأمل أن يتحقق؟!
والآن لنعد إلى دموع رونالدو، وقد يتساءل البعض ويقول لماذا يا دكتور تطرح مثل هذا الموضوع وأنت لست متخصصاً في مجال الكتابة في الرياضة أو التحليلات الرياضية؟! وهذا صحيح، ولكن ما أود طرحه هنا هو حالة إنسانية أصابت لاعباً شهيراً، وقد يكون فيها درس كبير لنا جميعاً، ولا أنوي أبداً أن أطرح أي تعليق رياضي، ولكن لوهلة وأنا أتابع هذه اللقطات، وجدت عبرة قد يغفل عنها كثيرون، في حين أننا قد نكون تعرضنا لها في حياتنا، أو غالباً سنتعرض لها مع مرور الأيام، والحديث هنا عن الفرصة الأخيرة، فرونالدو كانت لديه فرصة أخيرة لتحقيق كأس العالم، وبخروجه من المنافسة تكسر ذلك الحلم وتحطم، ورغم أن رونالدو قد شارك في أربع منافسات لكأس العالم بخلاف هذه السنة، وفي جميعها كان عند الخسارة يخرج متأثراً حزيناً، ولكن كل مرة كان لديه أمل بالمشاركة في مونديال آخر، أما تلك المرة فكانت فرصته الأخيرة، وهذا حالنا جميعاً؛ عندما نفشل في تحقيق شيء ما نقول لأنفسنا «لا توجد مشكلة، سنفعلها المرة القادمة»، ولكن في الحقيقة تمر السنون ونحن ننتظر ونفاجأ في يوم من الأيام أنها كانت فرصتنا الأخيرة، وأنه ليست هناك فرص أخرى قادمة.
ما حدث مع رونالدو قد يحدث لعشرات اللاعبين، خاصةً ونحن نتحدث عن لاعب ناجح جداً في مسيرته الكروية، وكذلك يمكن أن يحدث في حياتنا العملية أو حتى الإنسانية، فمهما كانت نجاحاتنا في جوانب مختلفة، إلا أننا جميعنا نغفل متى تكون فرصتنا الأخيرة، فمادام يوجد أمل فنعتقد أنه توجد فرصة، لكننا لا ندرك أن الفرص تذهب ولا تعود مرة أخرى أحياناً، وأنا هنا لا أتحدث عن فشل رونالدو في تحقيق حلمه، فهذه مسؤولية جماعية، ولكن دعونا نتصور لو كان الحلم مسؤولية فردية وقائماً على جهودك أنت وحدك، فإلى متى ستؤجله وتوهم نفسك بأن الفرصة لم تحن بعد؟ هل ستنتظر إلى أن تبكي بكاء رونالدو، لتدرك أنها كانت الفرصة الأخيرة؟! إذا شعرت بالذنب تجاه نفسك وحلمك فهذا الوقت المناسب لك لتحقيقه قبل فوات الأوان، أما إذا بقيت تخدع نفسك وتخدرها فلن تحقق شيئاً، ولن تُنجز ما أنت عازم عليه.
قد يعتقد البعض أن الحديث فقط عن أحلام كبيرة كأن تكون مشهوراً أو غنياً أو حتى صاحب فكر وعقل، وعلى الرغم من أن كل ذلك حق لك، إلا أنني أتحدث أيضاً عن أحلام أو طموحات أو أهداف أو حتى خطط قد تضعها لنفسك، وينتهي اليوم ولا تحققها، ويأتي غداً ولا تفعل شيئاً تجاهها، وتكذب على نفسك مرة تلو المرة، ولن تشعر بخيبة الأمل إلا بعد ضياع جميع فرصك، فتتناسى أحلامك وتصبح بلا أهداف، أو تسرقك الأيام، وكثيرون سرقتهم الأيام، ولم يكتشفوا ذلك إلا بعد أن تخطوا فرصتهم الأخيرة!
فنصيحتي لك إن أردت مصالحة عزيز لك فتحرك الآن، إن أردت تغيير مسارك الوظيفي فقم بذلك الآن، إن أردت إنهاء علاقة فأنهها الآن، وإن أردت البدء بمشروع فلتبدأ الآن، حتى إن أردت أن تستمتع بوقتك وحياتك فاستمتع الآن؛ لا تؤجل شيئاً يمكنك فعله اليوم، وتقول لنفسك هناك فرصة أخرى غداً، إلا إذا حاولت اليوم بالفعل ولم تنجح، ولكن إن بقيت ساكناً اليوم فستبقى ساكناً غداً أيضاً، فإذا لم تكن تريد أن تشعر بما شعر به رونالدو، فافعل ما تريده في حياتك قبل ضياع فرصتك.
عزيزي القارئ، قبل أن تنهي المقال، وتبدأ بالتحرك نحو أحلامك وطموحاتك، فكر بتلك المفارقة، فحتى وقت كتابة هذا المقال (يوم الأحد 12 ديسمبر 2022) كانت أمام ليونيل ميسي الفرصة الأخيرة لتحقيق حلمه المونديالي، وكان رونالدو قد أضاع تلك الفرصة، فاختر لنفسك في أي طريق تريد أن تكون، وعلى جانب آخر أتمنى أن يدرك ميسي هذه الحالة قبل أن تضيع منه الفرصة هو الآخر، وهذا الأمر لا يقلل من طموح لاعبي المنتخب المغربي في منافستهم للفوز بكأس العالم.
• تمر السنون ونحن ننتظر، ونفاجأ في يوم من الأيام أنها كانت فرصتنا الأخيرة، وأنه ليست هناك فرص أخرى قادمة!
twitter.com/dryalsharif
محامٍ وكاتب إعلامي
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.