الصراعات المؤسسية
من الطبيعي أن تواجه المؤسسات صراعات داخلية بين الحين والآخر، فحتى لو كانت القواعد والإجراءات سليمة وفي مكانها الصحيح، فلابد من حدوث العديد من الخلافات وسوء الفهم، لكن المشكلة تتصاعد عندما لا يتم معالجة تلك الأمور أو كبحها على الفور، لأنه حينها ستتحول القضايا التافهة إلى صراعات أكبر، وستسود المشاعر السلبية وتداعياتها على أمكنة العمل.
إذاً فواقع الأمر يقول بأن المشكلات ستنشأ لا محالة، ومسبباتها كثيرة ومتنوعة، كما أنها قد تختلف من مؤسسة لأخرى، فهناك المشكلات التي تنشأ عندما لا يكون هناك وضوح أثناء تعريف المهام للموظفين، أي أدوارهم ومسؤولياتهم المحددة، وحينها تتداخل المهام وتتشابك وتطفو النزاعات في ما بينهم، وهناك أيضاً مسألة التواصل بين الإدارات وأعضاء الفريق، فمع غياب التواصل الفعال تغيب الشفافية، وتضطرب المعلومات وتتضارب في ما بينها، ما يؤدي إلى حدوث المشكلات، ولا ننسى هنا مسألة الروتين في مكان العمل، وهي قضية ذات تأثير كبير على الموظفين خصوصاً عندما يعتادون على روتين معين ويبدؤون في الشعور بالراحة تجاه الوظائف الموكلة إليهم، فإذا قررت الإدارة بعد ذلك إعادة هيكلة العمل واعتماد أساليب ومقاربات جديدة سيبدأ الموظفون الأقدم بمقاومتها لعجزهم أحياناً عن التكيف مع هذا التغيير، بينما سيميل الموظفون الجدد إلى مسايرتها وقبولها، ما يؤدي إلى ظهور المنافسة غير الصحية في مكان العمل، وسيتدهور العمل الجماعي، ما يؤدي إلى صراع كبير يؤثر على المؤسسة.
نأتي إلى القضية المتعلقة بالاختلافات في الأمزجة والشخصيات، وفي طرق التعاطي مع العمل والمهمات، وهي أمور ذات تأثيرات كبيرة أيضاً، فالمؤسسات قد يكون لديها موظفون من مختلف الثقافات والخلفيات والخبرات، ومن ناحية القيم والأعمار والاتجاهات أيضاً، وهي بحاجة إلى ثقافة مؤسسية سليمة تجمعهم على الطريق السليم، فإذا غابت تلك الثقافة ستحل مكانها ثقافة سلبية بين أعضاء الفريق، وستتطور المشكلات إلى نزاعات خطيرة تغذيها الاختلافات الشخصية وستقود نهاية إلى اشتباكات وظيفية.
يقودنا ما سبق إلى أن غياب الإدارة الجيدة في مكان العمل هو المسؤول عن تفاقم النزاعات، وعلى المديرين وقادة الفرق فهم أدوارهم الإشرافية ليس فقط للتحقق من إكمال الوظائف والمهام ولكن أيضاً لمعرفة ما إذا كان هناك تفاعل إيجابي داخل الفريق، أي يجب ألا يتجاهلوا أصغر النزاعات، وأن يكونوا قادرين على تحديد المشكلات البسيطة والشكاوى بين أعضاء الفريق، والأهم من ذلك كله أن يكونوا مستعدين للاستماع إلى الجميع بموضوعية وحيادية وبلا تحيز.
لكن ماذا يحدث عندما يرتقي الصراع بين الموظفين ويتصاعد ليصل إلى أصحاب الحل والربط، أي بين المديرين والمسؤولين عن الأقسام الذين تتضارب مصالحهم وتتباين استراتيجياتهم، فعندها ستتحول بيئة العمل إلى بيئة غير صحية بالنسبة للجميع، وستظهر التأثيرات السلبية من القاعدة حتى رأس الهرم، وستكون تلك التأثيرات معدية إلى الحد الذي يقوض الإنتاجية ويعصف بأركان المؤسسة ومفاصلها المختلفة.
ولعل الحلول هنا تتمثل في العودة لقوانين الحوكمة وتحديد الصلاحيات، فإن فشلت تأتي مسألة الحوار المبني على أن المؤسسة كبرت أم صغرت فلديها هدف محدد تسعى إليه، وعلى الجميع تجاوز خلافاتهم والعمل تجاه تحقيق هذا الهدف، فإن فشلت تلك المسألة أيضاً فلا يبقى سوى التدخل المباشر من أصحاب القرار الأعلى، كالمدير العام أو مجلس الإدارة أو الجهة المسؤولة عن المؤسسة، وعندها توضع المصالح العليا على الطاولة ويعاد ترتيب الأقسام وتغيير مديريها بما تقتضيه تلك المصلحة.
مؤسس سهيل للحلول الذكية
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.