جماليات السُكَّر مفاهيم الحلاوة في الثقافة العربية المعاصرة
كنّا نستمع لصوت صباح تغنّي: «طعميتك سِكّر وسقيتك عمّبر / وخليتك بعيوني السود كل ليله تسهر / سِكّر يا حبيبي سُكّر». وعقّب صديقي الطبيب على كلمات الأغنية بأنها خطر على الصحة، وقال آخر كان الأجدر بالشحرورة أن تطعم الحبيب سُكّر «ستيفيا» الصحي.
ما جعلني أفكّر في السُّكَّر تلك المادة الحلوة المستخرجة من عصير القصب أو البنجر، أو سُكَّر الشعير الذي يمكن الحصول عليه من النِّشَا والمُلْت، وهو أقل حلاوة من سُكَّر القصب. وتذكّرت من طفولتي سكَّر النبات، تلك الحلوى الشفّافة التي تصنع بغلي السكر مع إضافة خلاصة الشعير.
وقصب السُّكَّر هو جنس نبات مُعَمّر من فصيلة النجيليّات، مهده البلاد الآسيويّة الحارّة، أزهاره صغيرة الحجم، سُوقه منتصبة مصقولة يُستخرج منها السُّكَّر، وتُعطى أوراقه علفاً للماشية. وفي المصطلح الطبي، يشير السُّكّر الى مرض نتيجة اضطراب وظائفي وأسبابه متعدِّدة أهمها نقص هرمون الأنسولين، ويعرف أيضاً بالسكّري.
وفي مجتمعاتنا العربية هناك صلة بين فكرة الحلاوة كما تظهر في التعابير اليومية والسكّر كسلعة شائعة مرتبطة بتاريخ طويل. يعبّر الناس عن الجمال بالحلاوة، فالشابة الحلوة هي الجميلة، والعمل والعيش حلوٌ إن كان جيداً ومُرضياً، ويحلو للمرء أن يفعل كذا وكذا أي أنه يستمتع بالعمل والفعل وكأنّه حلوٌ كالسكّر.
بالإضافة إلى توفير الحلاوة، يقوم السكّر بمجموعة من الواجبات الأخرى التي تجعل أطعمتنا شهية: فهو يتكرمل لإنتاج اللون البني في المخبوزات، ويساعد على تكثيف الحلاوة في منتجات مثل المربى، ويخلق بيئة حمضية لتقليل تلف الطعام، وينتج إحساساً حلواً ومُرضياً بالفم.
وفي عدد يونيو 2014 تذكر مجلة «ناشيونال جيوغرافيك» أنّ الناس في المغرب يحتفون بقالب السُكّر الذي يتخذ شكل هرم مخروطي يُعبأ في لفافة بيضاء من الداخل ومن الخارج بورق أزرق اللون. أما سر إقبال المغاربة على هذا النوع من السكر فهو أمر يتجاوز مذاقه الفـريد ليرقى إلى موروث ثقـافي ضارب في العراقة.
وتشير المصادر التاريخية إلى أن المغرب عرف زراعة قصب السُكّر في نهاية القرن التاسع للميلاد. غير أن ازدهار إنتاج السُكّر في المغرب حدث بين القرنين 16 و17 في عهد السلطان المنصور الذهبي السعدي (1578-1603م)، حتى أصبح المغرب في ذلك الزمن مَركزاً مهماً لإنتاج السُكّر وتصديره على الصعيد العالمي.
وفي كل المناسبات الاجتماعية (عقيقة، خطبة، زواج، تهنئة، مصالحة، ختان، حج، تعزية) تجد قالب السُكّر حاضراً، ببياضٍ ناصع يسرُّ الناظرين، وطلعةٍ بهية تضفي الصفاء على الأجواء وتحلي الأذواق وترضي الخواطر وتمحو الضغائن وتشد عُرى الوثاق بين الأهل والجيران، فلقد جرت العادة أنه عندما يقصد شابٌ ما بيتَ فتاة طلباً لخطبتها، فلابد أن يقتني هدية رمزية عبارة عن قالبين اثنين أو بضعة قوالب من السُكّر، يُعدّ قبولها من طرف أهل الفتاة قبولاً مبدئياً بزوج ابنتهم في المستقبل.
ويُحِيل حضور السُكّر، في بعده الرمزي، إلى الفأل الحسن واليُمن والأماني للعرسان بحياة هانئة وحلوةٍ بحلاوةِ السُكّر. وفي المقابل، يحدث أن تنشب خلافات بين الأهل أو الجيران فتتدخل قوالب السُكّر فترى أحد الطرفين يبادر بزيارة الطـرف الآخـر في بيته حاملاً معه قوالب سكّـر تكون خيـر مُعبِّر عن الاعتـذار، ببيـاضها الذي يرمز إلى السلام والتسامـح ونقاء السرائر.
أسأل الله تعالى أن يجعل 2023 سنة حلوة علينا جميعاً.
• في مجتمعاتنا العربية هناك صلة بين فكرة الحلاوة، كما تظهر في التعابير اليومية، والسكّر كسلعة شائعة مرتبطة بتاريخ طويل.
باحث زائر في جامعة هارفارد
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.