فاتحة لبدايات العام
«انتهينا منه، شيّعناهُ لم نأسف عليه
وحمدنا ظلّه حين توارى دون رجعَهْ»
هكذا ودّعت الشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان عاماً واستقبلت آخر قبل عقود. وهذا شعور أكثر الناس: فرح بانقضاء عام في الغالب لا نرى إلا خيباته، وأملٌ بعام جديد نتمناه أفضل وأجمل.
لا أتّفق مع من يرى رأس السنة الجديدة مجرّد يوم مشابه لغيره لا يستدعي توقّفاً ولا يكسر روتيناً. بل أحب أن أجعله محطة رمزية أقدم فيها جردة حساب أطرح منها هزائمي الصغيرة وأضيف إليها أحلاماً جديدة، كلّ أملي ألا تصبح «طموحات مخيّبة للآمال» كما سمّاها ألبرتو مورافيا في إحدى رواياته.
أفضل ما علّمتنيه الحياة أن أخفض سقف توقعاتي حفاظاً على من أحب، أغدق عليهم ما أستطيع من حب واهتمام ولا أنتظر بالمقابل أن أقبض ثمن ذلك، يكفي وجودهم في حياتي.
سألتفت إلى الشؤون الصغيرة التي يمرّ بها الناس دون التفات: دخول الضوء من شبّاك غرفتي في الصباح الباكر، ابتسامة نادل المقهى لي، جملة سطرتها في كتاب قرأته، اتّصال صديقة تلتمس النسيان عندي وقد كسر الحب قلبها، ضحكة عينيْ أمي وأنا أزورها بعد غياب.
تفاصيل تصنع يومي وتؤثّث سنتي، وتبعث لي بإشارات أجعلها تميمةً تحميني، لن أجلد ذاتي على ما لم يتحقق، ولكن لن أتجرد من إنسانيتي وأنا أحتفل بعام جديد، بل أتّبع وصية محمود درويش:
«وأَنتَ تعودُ إلى البيت، بيِتكَ، فكِّرْ بغيركَ لا تنس شعب الخيامْ.. وأَنت تنام وتُحصي الكواكبَ، فكِّرْ بغيركَ ثَمَّةَ مَنْ لم يجد حيّزاً للمنام»
سأتذكّر الذين عاندتهم الحياة وقست عليهم، وأُفسح لهم مساحة في قلبي شغرت حين غادرها محترفو النّفاق ومدمنو الخداع. سأقول لأمثال ريان الطفل المغربي هذه السنة: «أعطني يدك»، وسأبذل جهدي لأجد من يقول لي كما قال طه حسين لسوزان زوجته: «أبصرت بعينيك»، وأشكر الله في سرّي وعلانيتي كثيراً، فكلّما ضاق القلب اتّسعت الرحمة. أرى نِعمَه في ضحكة طفل وبسمة عجوز ودمعة رحيمٍ ويد كريمٍ.
هذا ما سأستقبل به عامي الجديد، وأستعير صوت مي زيادة لأخاطبه قائلة: «هذه أمانينا نلقي بها عند قدميك، فلا تدُسْها فتُلاشينا، بل ضمّها إليك فتُحيينا».
• لن أجلد ذاتي على ما لم يتحقق، ولكن لن أتجرد من إنسانيتي وأنا أحتفل بعام جديد.
@DrParweenHabib1
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.